في مقال سابق، قلنا إن السُّمعة تبنيها إنجازات وانتصارات مشهودة، ومنذ أن عرفت البشرية تأثير السُّمعة، استعملتها كسلاح، يحقق لصاحبه ما كان، يوماً، يعدّه مستحيلاً. وضربنا أمثلة. نرفدها هنا بجديد: كانت دبابات الإنجليز تفوق الألمانية في معارك شمال أفريقيا، بنسبة 1 إلى 5. رغم ذلك كان اسم القائد الألماني رومل يجعل المدن خالية بمجرد اقترابه منها.
هي السُّمعة، التي قد يصنعها فرد أو جماعة، وقد تصنعها أمة أو دولة. وتبقى السُّمعة هي ذاتها: شهرة تقتحم الجغرافيا. لكن هنالك عامل يصنع الاختلاف بين سمعة وأخرى، هو مدى قوة هذه السُّمعة وحجمها، وبالتالي تأثيرها وفاعليتها.
وهذا ما يفسر سرعة تحقيق بعضها للأهداف والمآرب، بينما بعضها الآخر يتباطأ أو يكون معدوماً. عدّ الأقدمون والمعاصرون، السمعة، إنها أحد قوانين القوة، من تمكن من امتلاكه، جمع في يده السحر إلى السطوة.
والسمعة عجينة طرية وحساسة، صناعتها دائماً ما تحتاج إلى تمهل وتخطيط، قد تأخذ عمراً بأكمله، وقد تكون عقداً. من أهم أدوات صناعتها، الاهتمام بما يعتقده فيك الآخرون؛ فإما أن تغيّر الصورة أو تحتاج إلى إجلاء غموضها وقد تضيف ما يمتنها. الاهتمام بهذا الجانب، واجب. إهماله يورث سمعة بالعجرفة، وإصلاح هذه يحتاج إلى عملية مضنية، تستوجب، في حال كهذه، إلى السعي المدروس للارتباط بقيمة نزيهة، سواء مثّلها فرد أو جهة، أو اللجوء لممارسة خيّرة وساعة ومشهودة.
والمحافظة على السمعة لا بد منها، رغم أنها عملية عصيّة، ومعالجة ثغراتها - إن وجدت - توفر المزيد من الحماية. ومن الحكمة هنا، أنه إذا لم تهتم بأعين الناس وألسنتهم، تركت قرار فهمك لهم، في وقت كان عليك فيه أن تكون سيد قرارك ومصيرك. سيد سمعتك. إن صلابة السُّمعة تعزز قواك، بحيث لا تضطر إلى بذل طاقة فائضة لتحقيق غاياتك؛ فعلى المستوى الدولي، كمثال: كلما كانت سمعة الدولة قوية وذائعة، كان لقراراتها صفة النفاذ.
التعليقات