في شبكة X أو سناب أو تيك توك هل أنت كما أنت في واقعك؟ هل قيمك ومبادئك وسلوكك وتصرفك وتفكيرك ووجهات نظرك هي كما أنت في واقعك؟ لماذا إذاً تستخدم اسما وهميا تتخفى خلفه؟ ماذا تخشاه ما دمت سويا؟

لقد فرضت المستجدات التقنية الشبكية معارف فائقة التصور، وساقت الإنسان نحو الدخول بلا إرادة في عالمها من خلال عوامل جذب سرقت الألباب، وجعلت الأنفس تدمن الاستجابة لهذه المستجدات، وتتعاطى بفاعلية مع المتغيرات مما أحدث ذلك ثورة مفاهيمية مرتبطة بالثورة التقنية الساحرة وأبعادها المتعددة والعميقة.

ولعل أهمها المزاج الافتراضي الذي صنع حياة افتراضية يعيش فيها البشر كتجسيد لكثير من معتركات الحياة وأمورها، فكان الفرد الافتراضي، والمجتمع الافتراضي، والواقع الافتراضي، وأحاطت بنا البيئة الافتراضية، فلم يقف أمام ذلك كله أي عامل مكاني، أو ضابط زماني، فكل المفاهيم الواقعية تلاشت بالفخ التقني، الذي صنع حياة افتراضية.. ولعلنا نجد أن ما نسميه تمحورًا رمزيًا لواقع حقيقي أمسى مسيطرًا على تعاطينا الروتيني داخل الافتراض التقني، الذي صنع حالات من الجذب والإدمان.

من هنا تشكل -من وجهة نظري وأطروحتي الخاصة- ما يمكن أن أصنّفه وأضعه كنظرية قد (تحتاج مزيدًا من المراجعة، والدراسة، والبحث، والتقييم من قبل المهتمين) نظرية «القيم الافتراضية أو القيم الطارئة»، وهي امتداد للقيم الإنسانية والاجتماعية والمبادئ المختلفة التي يتعايش بها الناس في واقعهم الطبيعي؛ حيث صنع الفضاء الافتراضي قيمًا أخرى افتراضية تعايش بها الكثير بطريقة تفاعلية.. فكان كل فرد متعلقًا بوسيلة تواصلية يجد فيها إشباعاته.. وصار الفرد أسيرًا لقيم افتراضية؛ كونه يستخدم وسيلة تواصل كـ X مثلاً، فقد يتعايش ويتفاعل بطريقة لا تمثل حقيقة مبادئه أو قيمه؛ لأنه يخشى أو يستميل المتابعين الافتراضيين المجهولين حوله. وقد أوجب الفرد على نفسه أحيانا الدخول باسم وهمي ليطمئن وقيمًا افتراضية مرتبطة فقط بدخوله الشبكة، او المنصة، أو الوسيلة، والمشاركة والتفاعل ضمنها.

وقد يشارك الفرد، أو يرسل ويتلقى بطرق مختلفة (نصوصًا، صورًا، مقاطع، رسومًا، رموزاً، إيموجيات)، وقد يلتزم بقيم ذاتية يرى أنها تقدم شخصيته بشكل يطمئن له ولا يجدها في غيره، ففي منصة X مثلاً يكتب «نصًا»، وفي السناب «فيديو» لأنه تصوير، و"إنستغرام» صورًا، فيكون له في كل محتوى طقوس شخصية، ومسوغ قيمي.

يتعامل الفرد بشخصية متعددة الأبعاد في الوسيلة الواحدة؛ فمثلاً في منصة الواتساب يشارك في عدة قروبات، وتجده في القروب الأول يمثل شخصية المحافظ كقروب العائلة، وفي القروب الثاني هو (الفلتة)، وفي قروب رياضي، وآخر سياسي، وغيره زملاء عمل، والآخر أصدقاء.. وهكذا. كذلك يشارك الفرد في الوسائل المختلفة بطريقة متحولة بتحوله من وسيلة إلى وسيلة، فهو في X شخصية وبأسلوب معين، وفي الوسيلة الأخرى بأسلوب وشخصية، وفي الثالثة مختلف.

الشبكات التواصلية كـ X وإنستغرام وسناب يتضمنها متابعون مجهولون للمرسل؛ وهذ يضعه أمام تحدٍّ مهم يريد من خلاله تجريب واقع جديد بسمات شخصية طارئة يحاول أن يجد نفسه بشكل جديد وذلك سيقوده حتما إلى التماهي النفسي في تلك المساحات التواصلية أيا كانت صوتية أو نصية أو مرئية فيدخل في دائرة لبس الأقنعة المختلفة خشية اهتزاز تأثيره؛ لذا فهو يلزم نفسه بأمور قد يتفاجأ بها من يعرفه؛ لأنه يحسب حساباته مع المجهولين الافتراضيين.

ويبقى القول: اليوم سلوكنا الاتصالي يتكثف بطريقة متسارعة بلا قيود حقيقية، ويجعلنا في حالة مرتبكة بسبب المستجدات والتأثيرات، من هنا تشكلت لدينا قيم جديدة بسبب الحالة الساخنة التي نعيشها بين جنبات الوسائل التواصلية. فجعلت كل مستخدم لشبكات التواصل في عالم افتراضي، ومجتمع غير واقعي طارئ، وتأثير مضامين شبكات التواصل على السلوك جعل منه شخصا مختلفا؛ فلا أحد يعلم بواقعه وسمات شخصيته الحقيقية، لذا طرأت عليه تصرفات قولية ووصفية ليعيشها في الواقع الافتراضي.