تعمل آلة الاعلام في إسرائيل في اتجاهات عدة، وتؤكد انقسام المجتمع الإسرائيلي ما بين مؤيد ومعارض للسياسات الحكومية الراهنة في ظل قياسات عديدة للرأي العام التي تصدرها القنوات ومراكز البحوث الاستراتيجية، والتي تؤكد أن الجمهور الإسرائيلي ينطلق من فرضية رئيسة، وهي أن الدولة العبرية بأكملها تتعرض لاستهداف حقيقي ما يتطلب التعامل المباشر، واستخدام القوة في المواجهة ومن ثم الاستمرار في الحرب على قطاع غزة، بل والاستعداد للحرب مع «حزب الله»، وربما توتير الأجواء مع دول الجوار بما فيها مصر التي عقدت معها «معاهدة سلام»، ما يؤكد أن شريحة كبيرة تتجاوز 80% وربما أكثر تعمل في اتجاه امتلاك النزعة العسكرية، والرغبة في حسم المواجهة مع الفصائل الفلسطينية بل وفي محيطها المجاور، وعدم الإنصات للدعوة للتهدئة، بل تكريس استخدام القوة في التعامل، والانتقال الحذر من خيارات توافقية للحسم، وهو ما يفسر حالة التشدد لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو اعتماداً على شريحة كبيرة مؤيدة وداعمة له، ما يؤكد أن حالة الاحتجاجات والتظاهرات لن تؤدي إلى تشدد مقابل يحاول نتنياهو الاستثمار في تفاصيله جيداً.
ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية صامدة في مواجهة محاولات المعارضة والمناوئين، بل من داخل المجلس الأمني المصغر، ومجلس الحرب، ويفسر لماذا يهدد نتنياهو بحل المجلس دورياً، الأمر الذي يفسر ما وصلت إليه إسرائيل من انقسام، خاصة أن التهديد بالتغيير من الداخل غير وارد بالتأكيد الدائم على لسان نتنياهو، بأن الدولة العبرية بأكملها في مواجهة أفراد محتجزين، وأنه يبذل كل ما في قدرته في الاتيان بهم، سواء من خلال الحرب المستمرة في غزة إلى مراحلها النهائية، أو من خلال عدم ممانعته في استئناف المفاوضات التي يجب أن تعمل لصالح إسرائيل، وعدم تقديم تنازلات للفصائل الفلسطينية، مع استمرار خطر حركة «حماس» ووجود جيوبها في القطاع.
ولهذا فإن المجتمع الإسرائيلي سيظل منقسماً بالفعل دون حسم حقيقي في ظل معارضة ضعيفة غير قادرة على منازلة شخص نتنياهو، وغير مستوعبه لما يجري، وفقاً لرؤية شراح المجتمع الإسرائيلي في مجملها، وهو ما يدفع نتنياهو باستمرار إلى إفشال تحركاتها، بما في ذلك تحركاتها الرئيسة في التجمع، أو الحشد في مواجهة مواقفه الراهنة، ما يؤكد أن الانقسام الراهن لن يحسم أو يحل في الوقت الراهن. وبالتالى، فإن تجمع بعض الرموز من أمثال عضو مجلس الحرب «بيني جانتس»، أو رئيس الأركان الأسبق «جادي إيزنكوت»، أو زعيم المعارضة «يائير لابيد» سيأتي بالحل، فهذا الأمر سيأتي في إطار حزبي ضيق لا يحظى بدعم شعبي، أو جمهور داعم أو مساند لأي من التوجهين في ظل عمل عسكري مستمر وضاغط في اتجاهات متعددة مع التركيز على الحسم بمعنى إنهاء حضور حركة «حماس» في القطاع، وفي ظل استمرار الخطر المحدق بإسرائيل من «جبهة الشمال»، وتوتر علاقات اسرائيل بدول جوارها بما قد يؤدي إلى انفتاح جبهات أخرى في مواجهة اسرائيل.
في هذا السياق، فإن معادلة التوازن لدى الجمهور الإسرائيلي ما بين داعم ومعارض ستبقى مرتهنة في المقام الأول بقدرة نتنياهو على حسم الأمر، أو مراجعته في سياق من المتغيرات التي ستطرح حضورها، خاصة وأن العمل العسكري ما زال موجوداً وقائماً وحاضراً، ويأتي في سياقات محددة، ولن يعمل لخيارات توافقية في مجتمع يقوم على القوة واستخدامها والبناء عليها في التعامل، وهو ما يفسر ما يجري من حالة المزاج العام للجمهور الإسرائيلي، والتي تستند إلى موروث مجتمعي في الداخل الإسرائيلي ، ولا وجود لخيارات أخرى إلا في الظروف الاستثنائية التي يتقبل فيها فرص السلام كما جرى مع الحالة المصرية.
وبدا واضحاً أن الشرائح المجتمعية التي تعمل ما بين داعم ومتحفظ ومعارض ترتبط بالفعل بسياسات الدولة، وليس فقط الحكومة، ما يشير إلى أن التغيير الممكن أن يتم في المستقبل القريب سيرتبط بالقدرة على حسم خيار القوة، وهو أمر مشكوك فيه تفصيلياً نتيجة ما يجري من تطورات على جبهة غزة من جانب، وتهديدات الشمال من جانب آخر.
وليظل الأمر مرتبطاً بالفعل بواجهة عسكرية في المقام الأول، وأنه لا يوجد خيارات وسط في التعامل لمجتمع يكرس استراتيجية العنف والقوة والتصعيد في مواجهة الآخر، حيث التركيز على مقولة (نحن والأغيار) لبقاء الدولة في محيطها في ظل استراتيجية طويلة الأجل واعتماد مقاربة النفس الطويل في المواجهة، والتعامل مع الاستعداد لدفع التكلفة في بعض الأحيان، وفي ظل ظروف استثنائية حقيقية قد تواجه الدولة ومصيرها في الإقليم، ولهذا فإن استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ستظل ترسل خطاباً قومياً يستنفر الجمهور الإسرائيلي في المقام الأول، ليس في التعامل مع واقعة المحتجزين، أو استمرار الحرب في القطاع، وإنما فيما تواجهه إسرائيل من سيناريوهات صعبة في الإقليم.
التعليقات