السيد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي:
نهنئكم بنجاح حزبكم، للمرة الثالثة في الانتخابات البرلمانية، الأكبر في التاريخ، التي شارك فيها أكثر من 640 مليون ناخب.

علاقتي بالهند، ومواطنيها وثقافتها، تعود لأيام طفولتي، قبل أكثر من 70 عاماً، مع مدرس اللغة الإنكليزية «جون»، لتمتد مع «كومار» المحاسب في مكتب والدي، وتترسخ وتصبح جزءاً من حياتي بعدها، مع عملي في بنك الخليج، قبل ستين عاماً، وما لقيته من اهتمام من زملائي، من الهنود بالذات. فمنهم تعلمت فنون الوظيفة، واكتسبت الإنكليزية، وتعلمت التسامح والمحبة، لأترك الوظيفة بعدها وأهاجر، ولأعود إلى أرض الوطن، وأشارك عدداً من الهنود، من مشارب مختلفة، في تأسيس شركة تجارية ناجحة، أصبحت بفضلهم، وبعد 35 عاماً، الأكبر في مجالها.

* * *

سيدي العزيز: اتصفت فترتا رئاستكم، الأولى والثانية، بتحقيق معجزات اقتصادية، وضعت الهند في المكانة التي تستحقها، ولكن شابت تلك الإنجازات فترات كئيبة ما كنا نود حدوثها يوماً في الهند، ذات التاريخ العريق في التعايش والتحمل والإخاء ونبذ العنف والدعوة للسلم! فقد ازدادت في السنوات الأخيرة حدة تطرف الأغلبية الهندوسية، فعانت من ذلك مختلف بقية فئات الشعب الهندي الصديق.

لا أود إساءة الظن أنك سعيت لاستغلال العاطفة الدينية، لكسب المزيد من الشعبية وكسب الناخبين تالياً، لكن لا شك أن هذا العامل أكسبك الكثير سياسياً، حتى لو لم تسعَ إليه. لكنك تعلم جيداً أنها مكاسب آنية، وقد تنتج عنها مستقبلاً ردود فعل خطيرة قد تعمّق مشاكل السلم الداخلي. فهشاشة الوضع بين الأغلبية الهندوسية والأقلية المسلمة، التي أصبحت في موقع الدفاع، قد تنتج عنها مذابح ومزيد من التطرف، وأنتم والشعب الهندي الصديق في غنى عنها.

لقد بينت نتائج الانتخابات رفض الأغلبية لنهج التشدد الديني، الذي يتبعه حزبكم، وهذا استفتاء مستقل، بحد ذاته، ونوع من جرس الإنذار بأن موجة التطرف، ومعاداة الأقليات، لن تكون عواقبهما مطمئنة، ولا في مصلحة الأمة الهندية العظيمة، وخير دليل الهبوط الكبير الأخير في بورصة الأسهم في بومبي، وتوقع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم.

* * *

في مقال نشر بالأمس في «النيويورك تايمز»، وصف كاتبه في. ميتشل الانتخابات بأنها «أعظم عرض على وجه الأرض»، وقصيدة لروح متنوعة وديموقراطية، ومثيرة للإعجاب حقاً، خاصة أن العرض أقيم في منطقة قلقة ومعادية للحريات وللديموقراطية.

ولا أدري حقيقة كيف تكون الديموقراطية غير صالحة للكويت، كما يدعي ويطالب البعض، وتكون صالحة وجميلة لدولة صغيرة مثل لوكسمبورغ، الواقعة في قلب أوروبا المتقدمة والغنية، التي تبلغ مساحتها 51 كم2، وسكانها 140 ألفاً، وتصلح أيضاً للهند، الدولة صاحبة دخل الفرد المتدني، والأكبر مساحة وسكاناً في العالم، والدولة الأكثر تنوعاً على وجه الأرض، بكل لغتها وأديانها وثقافاتها، ففيها ولدت الهندوسية والبوذية والجاينية والسيخية، وبها أكبر عدد من المسلمين، مقارنة بأية دولة أخرى، ووجدت فيها المسيحية قبل 2000 سنة، وبها معابد يهودية هي الأقدم، وبها يقيم الدالاي لاما، وبكبرى مدنها ازدهرت الزرادشتية القادمة من بلاد فارس، وفي سهولها عاش الأرمن والسوريون وغيرهما، وكانت أكبر اقتصاد على وجه الأرض لمدة 1500 عام، من أصل الألفي عام الماضية. وانتخب فيها 3 رؤساء مسلمين، وكان السيخي رئيساً لوزرائها. كما كانت رئيسة الحزب الحاكم امرأة إيطالية كاثوليكية، وكانت السيدة غاندي رئيسة وزرائها، وعالم صواريخ رئيساً لجمهوريتها، ومع هذا لا تصلح الديموقراطية لدولة مثل الكويت؟!

* * *

ما حدث في الهند، وقبلها في لوكسمبورغ، وعشرات الدول الأخرى، يجب أن يكون مصدر إلهام لنا للاستمرار في نهجنا الديموقراطي، بعد تعديل الدستور.. للأفضل.