بعد نحو ثلاثة شهور من اجتماعه الأخير في بداية فبراير الماضي، عقد قبل أيام مجلس أمناء الحوار الوطني في مصر اجتماعه رقم 34 منذ تشكيله في نهاية يونيو 2022، بعد دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لانطلاق هذا الحوار في مصر قبل هذا بشهرين. وفي اجتماع فبراير الماضي، كان أمام مجلس أمناء الحوار الوطني مهمتان: الأولى، بلورة وإقرار توصيات الملف الاقتصادي الذي دعا الرئيس المصري لتخصيص جلسات لمناقشته تفصيلاً، وهو ما خلص إلى توصيات تجاوزت المئة تم رفعها لرئيس الجمهورية بعدها بقليل. وكانت المهمة الثانية تشكيل لجنة من أعضاء بالمجلس لتنسيق تنفيذ مخرجات المرحلة الأولى من الحوار بالتعاون مع الحكومة، ومجلس النواب والجهات المختلفة ذات الصلة.
وبدا واضحاً منذ هذا الوقت أن هناك اهتماماً حكومياً ملحوظاً وخصوصاً من رئيس الوزراء المستقيل والمعاد تكليفه الدكتور مصطفى مدبولي، بالاستفادة من الحوار الوطني، باعتباره مجمعاً لمختلف الألوان والحساسيات السياسية والأهلية والشعبية والنقابية المصرية، وذلك بطرح بعض من القضايا الاقتصادية – الاجتماعية المهمة عليه، للتوصل إلى مقترحات بشأنها تساعد الحكومة على اتخاذ قراراتها بخصوصها.
وقد تجلى هذا قبل الاجتماع الأخير لمجلس أمناء الحوار، بإحالة رئيس الوزراء إليه القضية المحورية في مصر حول شكل الدعم الحكومي للمصريين، وهل يظل عينياً أم يتحول إلى نقدي. وقد تأكد حرص رئيس الوزراء بنفسه على متابعة تنفيذ مخرجات المرحلة الأولى من الحوار، والتي تقارب 135 توصية، من ترأسه الاجتماعين اللذين ضما لجنة التنسيق التابعة للحوار وعدداً من المسؤولين بالحكومة، وإصداره قراراً بتشكيل لجنة مشتركة من الجانبين لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات.
واللافت في الاجتماع الأخير لمجلس أمناء الحوار الوطني هو أنه للمرة الأولى منذ انطلاق الحوار يتطرق لقضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية. وكان هذا المجلس، الذي يمثل مختلف الأطياف السياسية المعارضة والمؤيدة، قد قرر في اجتماعه الأول قبل عامين استبعاد هذه القضايا من الحوار الوطني، نظراً لما تحظى به من توافق بين كل هذه الأطياف.
وقد تم هذا التناول بناءً على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الإفطار الأخير للأسرة المصرية، لتناول الحوار لها نظراً للظروف الدقيقة المحيطة بمصر والمنطقة حالياً. وبالطبع كان على رأس الموضوعات التي تناولها اجتماع مجلس الأمناء، القضية الفلسطينية وتأثيرها على الداخل المصري، وذلك نظراً للأوضاع الخطيرة التي خلقها العدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة، بحيث يتوصل إلى مقترحات تدعم مواقف مصر الثابتة والمستمرة في مواجهته، وحماية أمنها القومي وسيادتها على أراضيها، وفي دعمها القضية الفلسطينية والوقوف بحزم ضد أي محاولة لتصفيتها.
ولم يكن غريباً أو مفاجئاً في هذا الشأن، أن يؤكد مجلس الأمناء بالإجماع دعم ومساندة الموقف المصري، الذي وصفه بالصلابة والجدية، حيث إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد مراراً وتكراراً أن القضية الفلسطينية تعتبر قضية القضايا، وهي التي تحفظ للإقليم استقراره، ولا حل لها سوى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، رافضاً التهجير وتصفية القضية، وأي مساس بالأمن القومي المصري وسيادة مصر الكاملة على أراضيها. وشدد المجلس على أهمية وضرورة استمرار الاصطفاف الشعبي والسياسي حول القيادة السياسية ومواقفها المبدئية والعملية الثابتة والحاسمة في ظل الأوضاع الدقيقة الراهنة.
لم يكن موقف مجلس أمناء الحوار الوطني سوى تعبير دقيق وحاسم لمن يمثلهم هذا المجلس وهذا الحوار. فنحن إزاء تجمع شعبي – سياسي – أهلي – نقابي هو الأوسع في التاريخ السياسي المصري الحديث، يشارك فيه آلاف الممثلين لكل هذه الفئات سواء من جانب المؤيدين أو المعارضين أو المستقلين، والذين عبروا خلال مئات الساعات من الحوارات العلنية حول مختلف القضايا الداخلية طوال شهور عن اختلافاتهم وتبايناتهم تجاهها.
وبالتالي، فإن إجماع كل هؤلاء الفرقاء فيما يخص الشؤون الداخلية المصرية، على موقف واحد شديد الوضوح والحسم فيما يتعلق برفض تصفية القضية الفلسطينية والحفاظ على الحدود المصرية ودعم نضال الشعب الفلسطيني، والاصطفاف حول القيادة السياسية تجاهها، إنما يعد رسالة قوية ومباشرة إلى كل من يهمه الأمر، خارج مصر وداخلها، بأن مصر بشعبها وقيادتها إنما هم جميعاً على قلب رجل واحد، وأنهم جاهزون – معاً – لكل الاحتمالات.
التعليقات