أكدت القمة الفرنسية - الأميركية التي جمعت الرئيسين إيمانويل ماكرون وجو بايدن في قصر الإليزيه في باريس اهتمام الرئيس الأميركي بالعمل والتنسيق مع أوروبا والحرص على حمايتها، وذلك قبل بضعة أشهر من الانتخابات الأميركية التي يتنافس فيها بايدن مع الرئيس السابق دونالد ترامب الذي تقوم سياسته على مبدأ "أميركا أولاً" وعدم المبالاة بالتنسيق مع القارة الأوروبية أو الاهتمام بحمايتها.

حفاوة استقبال ماكرون وزوجته بريجيت بـ"الصديق" الأميركي وزوجته جيل عكست رغبة فرنسية في التنسيق والعمل على ملفات عدة، من بينها الشرق الأوسط والحرب الإسرائيلية على غزة وأيضاً الملف اللبناني. وأكدت خريطة العمل الفرنسية - الأميركية بشأن الشرق الأوسط ولبنان هذا التوجه، إذ دعا الرئيسان إلى وقف إطلاق نار فوري في غزة مع تحرير جميع الرهائن، وأعربا عن قلق بالغ من الوضع الإنساني في غزة، داعيين إلى توزيع واسع للمساعدات الإنسانية وفتح كل المعابر لدخولها. وأكد ماكرون أنه يدعم خطة بايدن لوقف الحرب في غزة.

أما في خصوص لبنان، فأهم ما جاء في خريطة الطريق المشتركة أن "حماية استقرار لبنان ونزع التوترات على الخط الأزرق لهما أهمية قصوى للبلدين اللذين يعملان معاً من أجل ذلك، ويدعوان جميع الأطراف إلى ممارسة أكبر قدر من ضبط النفس والمسؤولية في إطار احترام قرار مجلس الأمن 1701 وتنفيذه".

وفي الموضوع اللبناني أيضاً، أكدت فرنسا والولايات المتحدة "الضرورة الملحة لإنهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ 18 شهراً وانتخاب رئيس للجمهورية من دون انتظار، وتشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات ضرورية لتحقيق استقرار الاقتصاد اللبناني وإرساء اسس التعافي والنمو الاقتصادي الشامل للبلد".

وكان المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان أجرى اتصالا بالفيديو من باريس بالمبعوث الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين لوضعه في صورة مشاوراته في لبنان، كما اجرى هوكشتاين اتصالا بالمسؤولين عن الملف في الرئاسة الفرنسية، المستشارة لشؤون لشرق الأوسط وشمال افريقيا آن كلير لوجندر وكبير المستشارين في الاليزيه السفير ايمانويل بون الذي شارك الى جانب رئيسه في القمة مع بايدن. وكان هدف هذه الاتصالات وضع الرئيس الأميركي قبل القمة في صورة الوضع اللبناني في خصوص الحرب القائمة في الجنوب والملف الرئاسي.

وعلم "النهار العربي" من مصادر رفيعة المستوى ان ما اعتبره الجانب الفرنسي نوعا من الانفتاح من جانب "حزب الله" هو انه انه اكد للمبعوث الفرنسي ان الحزب لا يربط بين الانتخاب الرئاسي وحرب غزة، ولكنه يريد ان يكون هناك حوار يقوده رئيس البرلمان نبيه بري.

واكدت المصادر ان الفرصة التي يتحدث عنها لودريان لانتخاب رئيس سببها ان هناك امورا تتحرك على هذا الصعيد مع مبادرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط، وان هناك شعورا لدى الجميع بضرورة انتخاب رئيس، ولكن ما يحول دون التوصل الى نتيجة حاليا هو ان "حزب الله" لا يريد رئيس يزعجه في موضوع حربه مع اسرائيل، ومن الجانب الآخر لا تريد المعارضة رئيسا قريبا جدا من "حزب الله" وبالتالي المعادلة ما زالت معقدة.

واكدت المصادر ان لودريان لن يزور لبنان قريبا، ولكنه سيتصل بممثلي اللجنة الخماسية. ونفت ما تردد في الاعلام اللبناني عن ان لودريان طلب من المرشح سليمان فرنجية سحب ترشيحه .

وكانت مصادر فرنسية قالت إن باريس ترى أن ثمة فرصة متاحة الآن للتوصل إلى اتفاق بشأن الانتخاب الرئاسي في لبنان، خصوصاً في ضوء اجتماع لودريان مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس كتلة نواب "حزب الله" محمد رعد، مستدركة بأن جواب الاثنين كان بمثابة موافقة مبدئية على إجراء انتخاب مع نوع من التحفظ (oui mais) وبأن الجانب الأميركي والفرنسي سيستمران في دفع المسار حتى يتم الانتخاب.

وأفادت المصادر بأن من المنتظر أن يتم التطرق إلى الملف اللبناني على هامش قمة مجموعة السبع في باري في إيطاليا من 13 حزيران (يونيو) إلى 15 منه، إذ من المتوقع حضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي سيلتقيه ماكرون في حال حضوره، إذ إن فرنسا والولايات المتحدة تعوّلان على اهتمام السعودية بالملف الرئاسي اللبناني.

في باري في إيطاليا

أما بالنسبة إلى إيران، فالتزمت خريطة الطريق المشتركة "زيادة الضغط على هذا البلد من أجل إزالة نشاطاته التي تزعزع استقرار المنطقة والتصعيد النووي فيها، ووقف مساعدته روسيا في حربها على أوكرانيا، وحث إيران على التعاون مع وكالة الطاقة الذرية". وأعربا في هذا الإطار عن استعدادهما لتبني عقوبات جديدة على إيران لمنعها من تحويل الصواريخ إلى روسيا، كما أعربا عن القلق البالغ من "خرق إيران حقوق الإنسان، ومن بينها حقوق المرأة والأقليات"، ويطالبانها بإنهاء "الاعتقالات التعسفية".

لكن المصادر لفتت في هذا السياق إلى أن المزيد من الضغوط الأميركية والأوروبية على إيران قد يهدد إمكان انتخاب رئيس أو وقف القصف من الجنوب اللبناني على المواقع والمستوطنات الإسرائيلية، لأن إيران تستخدم ورقة حلفائها في إطار مواجهة الضغوط الغربية عليها.