تحية صادقة لسمو أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، لاختياره الشيخ صباح الخالد ولياً للعهد، متعاوناً مع سموه، وشريكاً في أُثقال المسؤولية، ورفيقاً في المسار المستقبلي لشعب الكويت، وحريصاً على تحمل الأعباء، وفوق ذلك، مرحباً بالمهمات التي يوكلها له سمو الأمير.
وكل ذلك يتسم بأدب رفيع وخلق من منابع صافية، وعمق في تفهم معاني الوطنية، وغريزة متشربة باحترام القانون، وتقدير المقام يخرج منها علو في المفردات وتواضع في الحوار.
عرفنا محتوى سمو الشيخ صباح الخالد، لأننا شركاء في حضن الدبلوماسية الكويتية، كان في الامم المتحدة لسنوات، وفّرت له مقعداً يرى العالم في تنوعاته، ويقف على التباين بين الشعوب، وعلى التشابه في الأطماع، وتثيره حاجة الفقراء إلى تعاطف الأقوياء، متألماً من التناقضات في مستوى الحياة.
هذه حقائق عاشها كل من عمل في الأمم المتحدة، لكنها أثارت ما لديه من تلقائية صافية طغت على سلوكه، ليس في الأمم المتحدة فقط، وإنما تجذرت فيه، وانسجمت مع طباعه، وزرعت لديه غريزة الانصاف والبحث عن العدالة والسعي نحو الحق، وعززت ما لديه من القيم المبهرة، لاسيما في أدب الحوار وصدق معاني الانسانية، ومن هذه اللائحة النظيفة استوطنت فيه معاني الأدب الجم، الذي رسم سلوكه في الحياة، بما فيها ممر السياسة ومناقشات البرلمان، وظلت معاني الأدب الجم تتعاظم فيه، وبرزت بشكل واضح في إدارته للحكومات التي تولى رئاستها، وفي دفاعاته في مجلس الأمة، فكان يتجاهل عنف المفردات ويعلو بكلماته، ذاعناً لقيم الأدب الجم.
نهنئ الكويت بهذا الاختيار، ونعتز بالنهج الذي تبناه سمو الأمير في فحص محتويات الأهلية، التي يجب أن يملكها من يقع الخيار عليه كولي عهد لدولة الكويت.
يتحرّك سمو الشيخ صباح الخالد متعالياً على الهموم، قادراً على تطويقها بجدار التواضع، ومتسلحاً ببساتين الأخلاق العالية والقيم الفريدة، فضلاً عما حصده من تنوع لواقع مسؤولياته.
وأتمنى أن يعطي سمو ولي العهد اهتماماً خاصاً لثلاثة ملفات معروفة لديه، وأعتقد أن لها أهمية في حياة الكويت المستقبلية:
أولها: ملف الدستور الذي عانت الكويت من بعض محتوياته، وتسبب هذا الملف في خلق أزمات لم تتوقف، وتعيش الكويت حالياً في وضع من إفرازات هذا الملف.
خرج الدستور من بيئة كويتية متآلفة ومتفاهمة، تأثرت بأجواء المجلس التأسيسي، الذي ناقش المواد المقترحة، وكان التوجه العام بإمكانية مراجعة الدستور بعد خمس سنوات، يتعرف من خلالها شعب الكويت على مدى ملاءمة بنود الدستور لوضع الكويت السياسي والاجتماعي، ومدى انسجامه مع خيوط التشابك، التي وفرت الاستقرار اللكويت منذ عصر الشيخ صباح الأول.
لم تسلم السنوات الأولى من التجربة البرلمانية من مخاوف استغلال بعض المواد لإثارة الاعتراضات، وجاءت اول أزمة آخر عام 1963، حول المادة 131، التي تمنع الوزير من العمل في التجارة، وبعدها تتابعت الأزمات، وتم توقيف عمل المجلس عامي 1976 و1986، مع محاولات نحو تنقيح الدستور بالتخلّص من المواد التي سببت الأزمات، ولم يظهر العزم الجدي لتنقيح هذا الدستور، لمسببات جاءت من تباين في الاجتهادات، أعطت الدستور ما يشبه القدسية، التي لا تمس، معبّرة عن مخاوف نابعة من شكوك تؤدي إلى إضعاف التجربة، ولم تبرز جدية نحو التنقيح، رغم بروز التذمر من بعض الفصول، لاسيما فصل الاستجوابات، التي خرجت في قالب مسرحي غير لائق للبيئة الكويتية، وسببت انقسامات داخلية لم تكن معروفة، وأضرت الكويت، وطغت على الجوانب المستنيرة في فصول الدستور، بينما تصر الأغلبية على عدم فتح باب التغيير أو المساس، وأحيط الدستور ومشتقاته بحماية وضعته ضمن المقدسات، المهم التخلص من هذا الإجراء وترتيباته أينما كان موقعه.
منذ سنوات قرّر المرحوم الشيخ صباح الأحمد تشكيل ثلاث لجان، للنظر في تسهيل مجرى الحياة الدستورية، واحدة لمناقشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، أما الثانية فنصيبها مواد الدستور، والثالثة الجوانب التنظيمية في الدستور.
اجتمعت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، وقدمت تقريراً عن مداولاتها، وكنت شخصياً عضواً فيها مع عدد محدود لا يتجاوز العشرة، بينما لم تتحرك اللجنتان، فاعتذر الأعضاء المرشحون للنظر في الدستور وبنوده، والأخرى للنظر في هيكلته والمواد التنظيمية فيه، ولم يتحقق أي شيء، وكانت تجربة غير سعيدة، قتلتها التصورات بأن الدستور لا يمس، وكل شيء ممكن ما عدا الدستور، هكذا كانت المواقف.
لم تتوافر الفرصة لمناقشة موضوعات حول الحالة، التي تعاني منها الكويت في استمرار الاضطراب السياسي، ودوره في تأجيل انطلاق الكويت نحو التنمية الشاملة.
الدستور وثيقة لابد لها من الانسجام مع واقع الكويت، بتوافق المواد مع طموحات البلد، بينما المعاناة السياسية تأتي من الصراع بين الحكومة مع المجلس، ومن شهية النواب في ممارسة الاستجواب تحقيقاً للمصالح، التي تتوافر لمصلحة النائب.
لابد من العلاج في تبدل نهج الاستجواب بالتوافق على استقالة الوزير، إذا ما عارض وجوده عشرون نائباً، لأن الاستجواب في صيغته الحاضرة سبب الشحن السياسي والاجتماعي بين أبناء البلد، والمادة الثانية التي يمكن إزالتها هي تواجد النائب المحلل، الذي تضيع أولوياته، وقد يتعطّل العمل، إذا لم تجد الحكومة نائباً راغباً في المشاركة، وهذه آلة من آليات التعطيل.
ثانياً: أتمنى من سمو ولي العهد، أن يتفحص ملف العلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين، وأبرزهم بريطانيا والولايات المتحدة، الأمر الذي يحتاج إلى فتح المزيد من التواصل الرسمي وغير الرسمي، فالمهم أن نتذكر دائماً أن الكويت تعيش في إقليم تسيطر عليه الاضطراب، وتتواجد فيه ميليشيات متطرفة انتحارية وتخريبية، بالإضافة إلى الصدامات الفلسطينية - الاسرائيلية، ودور «حزب الله»، وانقسامات المنظمات الفلسطينية الأخرى.
ويعرف سمو ولي العهد أن وضع الكويت يتطلّب توافر الردع المؤمن لسيادة الكويت، والمساهم في الحفاظ على استقلالها.
والملف الثالث، الذي أتمنى أن يواصل سمو ولي العهد متابعته، هو الدور البارز للمنظمات العالمية التابعة للأمم المتحدة في تخفيف الأحزان عن الدول النامية المحتاجة إلى مساعدات متنوعة، ليس في مجال التنمية فقط، وإنما في الوضع الصحي والبيئي في تأمين ضرورات الحياة.
كان المرحوم الشيخ صباح الأحمد مدركاً لدورها في تحسين الأوضاع المعيشية للدول النامية، وساهم كثيراً، إلى حد اعتراف المنظمة العالمية بدوره، وأعلنت عن اختياره زعيماً للإنسانية.
شغل سمو ولي العهد مهمة سفير الكويت في الرياض، الشريك التاريخي في أمن الكويت وسيادتها، عارفاً معاني مجلس التعاون، ومتابعاً لمسيرته، ومثمناً للدور الجوهري الذي يوفره لأمن الكويت، ونحن على أمل أن يتواجد سمو ولي العهد متابعاً لمسيرته، ومساهماً في حيوته.
نكرر مشاعر التهنئة لسمو الأمير، معترفين بجودة الاختيار، وكفاءة صاحبها، وتنوع مؤهلاته، وجمال سلوكه، ورقة ذرابته في علاقاته الواسعة مع البشر، ونحيي الكويت المبتسمة والفاتحة قلبها للقادم، الذي عرفته من قبل، وسجلت إعجابها في نقاوة ضميره وعلو قيمه.
في رثاء الصديق عبدالوهاب النفيسي
أجمل الصفات الإنسانية تنافست في الاستحواذ على شخصيته، أدب الكلام، جمال النوايا، وطيب المعشر، وسخاء اليد، التعالي عن الصغائر، ونظافة اللسان، كل هذه الدروب الجاذبة تعايشت في طمأنينة وتحكمت في حياته وأمنت له محبة الناس، وحصنته من مؤذيات الدنيا...
زرته قبل أسبوع ، كان هادئاً ومرتاحاً، لا طاقة له على الحديث، عارفاً بهوية الموجودين، منسجماً مع إرادة الله له...
كان في حياته في صدارة الصفوة التي خصها الله بأنبل القيم، فصان معانيها وحماها من تسلل البذيء..
فقد عالم الندرة إنساناً عالياً استطونت فيه أجمل المزايا..
العزاء الصادق لأسرته ولزوجته ولابنه وبناته، ولعائلة النفيسي الكرام، وأسكنه الله خير البقاع في جناته... وكل من عليها فان...
إنا لله وإنا إليه راجعون.
التعليقات