في عام 1961، أدى الشاعر بيرم التونسي فريضة الحج، ومتأثراً بما عاشه من أجواء روحية، كتب قصيدته «القلب يعشق كل جميل». نالت الكلمات إعجاب السيدة أم كلثوم حين اطلعت عليها من بيرم، وعقدت العزم على غنائها، فعهدت لزكريا أحمد أمر تلحينها، لكن اللحن لم يرق للست، وهي المعروفة بصرامتها في كل شيء؛ في اختيار النصوص التي ستغنيها، وتدقيقها في مفرداتها، وطلب تغيير بعض هذه المفردات، وتقديم بعض أبيات القصيدة أو تأخيرها، وكذلك في تقرير ما إذا كان اللحن مناسباً لها أم لا، بصرف النظر عن مكانة واضعه وموهبته؛ بل إنها تبدي، أحياناً، اعتراضات على الآلات الموسيقية المستخدمة في أداء اللحن، كما فعلت مع محمد عبدالوهاب حين أدخل الجيتار في أغنية «رجعوني عينيك لأيام اللي راحوا».
استهجنت أم كلثوم إدخال عبدالوهاب للجيتار، وقالت باستغراب: «جيتار يا عبدالوهاب؟»، وهو ما رفضه عبدالوهاب بشدة، مصرّاً على رأيه، ولحل الخلاف بينهما اقترحت أم كلثوم الاستعانة بصديق، هو محمد القصبجي، ليفتي في الأمر، وافق عبدالوهاب على ذلك، قائلاً: إن القصبجي أستاذه، لكنه في قرارة نفسه كان مطمئناً إلى أنه سينحاز لرأيه لما يعرفه عنه من ميل للتجديد، وهذا ما حدث بالفعل. وبالمناسبة، فإن المفردة الأولى في الأغنية التي كتبها أحمد شفيق كامل لم تكن «رجعوني»، إنما «شوقوني»، لكن أم كلثوم طلبت من الشاعر تغييرها إلى «رجعوني».
على هذا المنوال لم يرق للست لحن زكريا أحمد لقصيدة بيرم، وكما تنقل لنا الإعلامية نسرين علام، في تقرير لها نُشر، قبل يومين، على موقع (بي. بي. سي) استعانت فيه بشهادات لكتّاب آخرين، فإن أم كلثوم وجدت أن اللحن «جاء على غرار ألحان القصائد الدينية الرصينة الوقع»، والمكتوبة باللغة العربية الفصحى، فيما كانت كلمات قصيدة بيرم بالعامية المصرية، فبدت بمنزلة لسان حال المواطن المصري البسيط، والقريبة من وجدانه، والمعبّرة عن تدينه الفطري، لذلك «ركنت» الست اللحن جانباً عشرة أعوام.
في عام 1971 ستعهد أم كلثوم بكلمات بيرم من وحي الحج إلى رياض السنباطي، واضع اللحن الذي راق لها، وبه قدمت الأغنية الباقية حتى اليوم وستبقى حية في المستقبل، وجاء في تقرير نسرين علام أن هذه الأغنية بالذات «كانت من أواخر الأغاني التي تشدو بها أم كلثوم؛ بل إنها قدمتها في آخر ظهور لها على الإطلاق على خشبة المسرح عام 1972».
مع كل موسم حج تستعاد «القلب يعشق كل جميل» بصوت أم كلثوم ولحن السنباطي وبالشحنة الروحية في كلمات بيرم: «واحد مفيش غيره/ ملا الوجود نوره/ دعاني لبّيته/ لحد باب بيته/ وأمّا تجلاّلي/ بالدمع ناجيته».
التعليقات