العادات هو ما اعتاده الناس من قول أو فعل، والتعاقيد تحوير لمصطلح تقاليد، وقد تعمدت أن أقول مصطلحاً وليس مفردة حتى نأخذ الحيز الأكبر والأكثر دقة فيما يتعلق بموضوعنا، ومثال على التقاليد في شكلها التعقيدي ما ذكرته الدكتورة زكية العتيبي في تغريدة لها على منصة أكس من عدم تقبل ضحك أو تبسم الفتاة أثناء الرقص حتى لا تتهم بعدم الحياء حسب عادت بعض أو ربما الكثير من المجتمعات المحلية السعودية في مرحلة خلت.

هذه النظرة الاجتماعية يجب أن تؤخذ في سياقها الزمني -وأن رقص هذه الفتاة أمام مجموعة من النساء-، وبما أحاط بها من ظروف حياتية وطبيعة مرتبطة بمعايير تقييم المجتمع لمفاهيم الرجولة والأنوثة، ففي علم الاجتماع لا تؤخذ الأمور مجتزأة وإنما تؤخذ ضمن اعتبارات تحتاج لرؤية فلسفية يبنى عليها منهجية تنظيرية وعملية، وتأتي مثل هذه التغريدات صيداً ثميناً للباحث في علم الاجتماع، والمهتم بالمحتوى الاجتماعي والإعلامي والثقافي في أوعيته المختلفة وتحليله باستخدام منهج تحليل المحتوى وفق رؤية وفكر تنظيري تطبيقي.

كيف كان المجتمع يرى مقومات الرجولة؟ كيف كان المجتمع يرى مقومات الأنوثة؟ وقد قلنا أنوثة تجاوزاً لأن هذه المفردة لم تكن في العرف العام ذات قيمة في فترة من الفترات وإن كانت مفردة قرآنية راسخة لا جدال فيها (وليس الذكر كالأنثى)، فالبدائل موجودة؛ سنعة؛ فارسة، بطلة، أخت الرجال، وهي حقاً صفات حميدة مُشرفة، ولكن المشكلة تكمن في فصلها فصلاً تاماً عن طبيعة الأنوثة والرقة. كانت التعقيدات تلف حبالها حول الرجولة والأنوثة وترهقهما بما يتفق مع طبيعة الحياة الصلفة الصعبة، ولم يكن الضحك معيباً للفتاة فقط، فحتى الرجل كان تبسمه أو ضحكه يقلل من هيبته ومكانته.

موضوع يضعنا في سياق حياة كانت وحياة خلت، وحياة تبدلت وتحولت فلم يعد للأحكام القاطعة مكانة، فالناس ذكرهم وأنثاهم يضحكون ويتندرون، ولكن ومع هذا فما زال لكل مقام مقال، والتعقيدات يُستحسن بنا أن نحيلها إلى تقاليد حقيقية ذات قيمة جوهرية لا شكلية فقط، وقد أحسنت الدكتورة زكية في هذه الاقتناصة التي توقفت بنا عند تعقيدة من تعقيدات حياة المرأة، والتي أحالتنا لنصفها الثاني وتعقيداته من خلال فلسفة الثنائيات المتقابلة، ومن ثم جاءت بنا إلى حقيقة ثابته تقرر أن نظرتنا للأمور تحتاج إلى توسط و»سعة خاطر»، وأن لا نضيق على أنفسنا وغيرنا في العلن حتى لا يصبح ما خلف الكواليس تمرداً على ما نؤديه على مسرح الحياة العامة، فالحياة ساعة وساعة، والابتسامة جمال ينبع من داخلنا يجب ألا نغلق شفاهنا عليها فنقتل شيئاً من مشاعرنا داخل ذواتنا فنحيلها إلى مقابر..

كثيراً من تقاليدنا تعقيدات، والكثير من تقاليدنا تقعيدات بمعنى أنها تضع قواعد تبنى عليها قيمنا وتترسخ من خلالها هويتنا السعودية، ونحن فعلاً بحاجة في هذه المرحلة الثقافية خصوصاً من عمر بلادنا المزدهر إلى أن نفرق بين التقاليد والتعاقيد.