في أقل من شهر، عقد رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ قمّة مع الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك- يول ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في سيول، ثم توجّه في زيارة لأستراليا، ليتوّج بذلك مساراً إيجابياً من العلاقات بين بكين وكانبيرا.

كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا، دول حليفة للولايات المتحدة، وتوفّر لها قواعد عسكرية رئيسية في مواجهة الصعود الصيني في آسيا. وعليه، تُعتبر الاندفاعة الصينية نحو الدول الإقليمية الكبرى الثلاث وكأنها تُرسي مقاربة صينية جديدة إلى الجوار، تعتمد تقديم المبادلات التجارية على الخلافات السياسية.

يساهم التواصل الصيني - الإقليمي مساهمة فعّالة على صعيد كبح جماح التوتر في المنطقة. وأول ما يخطر في الأذهان في هذا المجال هو التوتر بين الكوريتين الذي يأخذ منحى تصاعدياً منذ سنوات. وتقريباً، باتت كل الاتصالات بين سيول وبيونغ يانغ مقطوعة، في ظلّ تزايد التجارب الصاروخية الكورية الشمالية، والردّ عليها من الشطر الجنوبي بمناورات مشتركة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة.

ولأنّ الصين منفذ كوريا الشمالية إلى العالم، ففي مستطاع بكين الاضطلاع بدور رئيسي في تهدئة التوترات، والمساهمة إيجابياً في خفض التصعيد. وهذا الدور يبقى رهن وجود إرادة لدى الولايات المتحدة أيضاً لانتهاج سياسة أقل عدائية في ما يتعلق ببيونغ يانغ، والتخلّي عن فرض المزيد من العقوبات عليها.

وكان مهمّاً جداً إشارة البيان الختامي الذي صدر عن القمة الثلاثية في سيول إلى التزام الصين وكوريا الجنوبية واليابان "هدف جعل شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية، والتزام الحلول السياسية للقضايا بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية".

نقطة أخرى يجدر التوقف عندها، وهي أن الدول الثلاث قرّرت "عقد لقاءات منتظمة لتنشيط التعاون الثلاثي". مثل هذا التعاون يولّد مناخاً من الارتياح في منطقة المحيط الهادئ، ويُضعف النزعة العسكرية لدى الأطراف جميعاً، ويتيح مساحة أكبر للحوار.

ووسط كمّ هائل من المشاكل التي تواجه منطقة الهادئ، من تايوان إلى النزاعات على ملكية الجزر في بحر الصين الجنوبي واشتداد التوتر بين بكين ومانيلا أخيراً، واحتدام التوتر حول تايوان بعد الانتخابات التي فاز فيها الرئيس لاي تشينغ-تي ذو النزعة الاستقلالية، والردّ الصيني بمناورات عسكرية غير مسبوقة، جاءت قمة سيول الثلاثية لتبرّد الأجواء، وتُعطي الأمل بأن ثمة فرصة لتعزيز الاستقرار، ويجب عدم تفويتها.

بعد قمّة سيول، أتت زيارة لي تشانغ لأستراليا الأحد، تجسيداً لإعادة الدفء إلى العلاقات بين بكين وكانبيرا. وسبق الزيارة إلغاء الصين عقوبات كانت قد فرضتها على الصادرات الزراعية الأسترالية.

ودخلت "دبلوماسية الباندا" التي تنتهجها بكين على الخط. معلوم أن الصين تُرسل حيواناتها الأليفة عبر العالم لتحسين علاقاتها الدبلوماسية، فاستهل لي زيارته الرسمية لأستراليا بجولة في حديقة الحيوانات في أديلايد بجنوب البلاد، وهذه إحدى أدوات استراتيجية "القوة الناعمة" الرامية إلى تعزيز نفوذ الصين وتأثيرها في العلاقات الدولية.

وأستراليا شريك استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة. تدهورت علاقاتها مع الصين اعتباراً من عام 2018، بعدما استبعدت كانبيرا مجموعة "هواوي" الصينية من شبكة الجيل الخامس لخدمة الإنترنت لمبررات أمنية. لكن الحكومة الأسترالية أقدمت على ما أقدمت عليه تحت ضغط من إدارة الرئيس الأميركي عامذاك دونالد ترامب.

ويُعزى الفضل في تحسين العلاقات إلى رئيس الوزراء الحالي أنطوني ألبانيز الذي وصل إلى السلطة في عام 2022، فعمد إلى إضفاء نهج مرن في التعامل مع بكين.

عموماً، تفتح المقاربة الصينية تجاه أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية أفقاً أمام مدّ جسور اقتصادية لن تكون السياسة بعيدة منها في مطلق الأحوال.