تشتهر الكويت، كغيرها من الدول الغنية، مثل أمريكا، مع الفارق الهائل، بكونها من أكثر الدول عدداً بجمعياتها «الخيرية»، وأكثرها عطاءً، ولكن عطاءها وصل البعيد أكثر من القريب، لأن العمل الخيري البعيد «بعيد غالباً عن أعين الجهات الرقابية».
وقعت كارثة حريق المنقف المأساوية الأخيرة، التي ذهب ضحيتها أكثر من مئة «إنسان»، نصفهم من القتلى، لتكشف أموراً لم تكن معروفة، ووجب تسليط الضوء على بعضها!
فور وقوع الحادث الأليم، سارعت جمعيات خيرية للحصول على ترخيص يسمح لها بجمع التبرعات لإغاثة أسر ضحايا الحريق. كان تصرفها مستغرباً، فهي أساساً ترفض تقديم أي نوع من المساعدة لمن لا ينتمي إلى نفس دين ومذهب من يديرونها، وأغلبية من توفوا أو أصيبوا كانوا من غير المسلمين، وبالتالي «فزعتهم» قد لا تكون للخير، بل للحصول على نسبة «القائمين عليها» المغرية، والتي تبلغ %12.5، فهي الهدف غالباً، ووصول الخير الكويتي لأربعة أركان العالم هو نتيجة لتلك النسبة، وليست الغاية الأساسية؟!
تبلغ نسبة الاستقطاع حالياً %12.5 (أي الثمن)، وكانت لأكثر من نصف قرن تبلغ %20 (أي الخمس)، وتمثّل شريان الحياة للتجمعات الدينية السياسية، داخل البلاد وخارجها!
بعد ساعات من وقوع حادث حريق المنقف، نقلت الخبر مختلف وسائل الإعلام الغربية، غالباً بسبب عدد الضحايا الكبير، إلا أن التغطية الداخلية للحادث المريع لم تكن بحجم المأساة، ومخجلة بالفعل، فلم تضع في اعتبارها فقد خمسين «إنساناً» لحياتهم، وفقد ما يماثلهم من الأُسر لمعيلها، الوحيد، وغابت التغطية في أحلك الأوقات، وبالذات في اللحظات التي كانت فيها أنظار وقلوب مئات آلاف الأُسر، التي يعمل أبناؤها في الكويت، شاخصة على شاشات التلفزيون تنتظر، بقلق رهيب، خبراً عن مصير فلذات أكبادها.
لقد كان التجاهل مؤلماً، وسيكون مختلفاً لو لم يكن الضحايا بذلك الفقر والعوز، وأساء تصرفنا لسمعتنا محلياً ودولياً، فلا نقل تلفزيونياً حياً، ولا صور لنقل الجثامين، ولا أية ترتيبات تبيّن هول الحادث المأساوي، ولكن المبادرة السامية أنقذت الموقف بإعلان الديوان الأميري عن صدور الأوامر للإسراع في نقل جثامين العمال الضحايا لدولهم، إضافة إلى صرف تعويضات مالية فورية لذوي المتوفين، ودفع تعويضات للمصابين.
الشكر لمختلف أجهزة الدفاع المدني ووزارتي الصحة والداخلية، لما بذلته من جهود ضخمة، لتقليل الإصابات، وإنقاذ ما أمكن إنقاذه. والشكر موصول لوزير الداخلية لحرصه على اتباع الطرق القانونية في إحالة المقصرين والمسؤولين عن الحادث إلى جهات التحقيق، فقد أعاد لنا جميل تصرفه الثقة بأننا لا نزال في دولة قانون، وليست مزرعة، كما أراد بعض المطفوقين والمعقدين لها أن تكون، فتميز الكويت بقيادتها وديموقراطيتها كان دائماً مثار إعجاب القريب والبعيد.
كشف الحادث مدى الإهمال، المتعمّد غالباً، لكل أجهزة الدولة، التي تقع عليها مسؤولية مراقبة أوضاع المباني، وتبيّن بشكل واضح أنها كانت تغض النظر غالباً عن افتقاد الكثير منها متطلبات وإجراءات السلامة المتبعة في أي سكن عام. فكيف يمكن قبول قيام البلدية، بمختلف إداراتها، والإطفاء والقوى العاملة، بزيارات دورية لمكاتب شركاتنا، ولا تقوم بالشيء ذاته إلى مئات العمارات المخالفة، المكتظة بآلاف العمال، التي يرى ويعلم عن أوضاعها الخربة «كل» مسؤولي البلدية، ومديرها العام، والإطفاء والقوى العاملة وغيرهم؟!
يجب تحميل هذه الجهات المسؤولية، وليس فقط أصحاب العمارات المخالفة، أو من قاموا باستغلالها. وبالتالي فإن المشكلة فينا وليست في ما يدعيه بعض الغفلة المعقدين من أن الديموقراطية هي السبب في كل مشاكلنا، فهذا هراء ما بعده هراء.
أحمد الصراف
التعليقات