عندما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قرب وقف العمليات العسكرية الكبرى في قطاع غزة، برّر الخطوة بأن من شأنها أن تسمح بنقل جزء من القوات الإسرائيلية إلى الشمال، استعداداً لحرب محتملة مع "حزب الله".

كان ذلك إيذاناً بأن إسرائيل تفكّر جدّياً في توسيع نطاق الهجمات على لبنان، وصولاً إلى الحرب الشاملة. أكثر من لمس خطر تمدّد الحرب هو الولايات المتحدة، التي سارعت إلى إيفاد المبعوث الخاص آموس هوكشتاين إلى لبنان وإسرائيل في جولة مكوكية لخفض التصعيد والبحث في السبل الآيلة إلى منع الانفجار.

وفي واشنطن، كان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يحدّث محاوريه الأميركيين عن ضرورة الإفراج عن شحنة القنابل من زنة 2000 باوند لضرورات استكمال الحرب في غزة، واحتمال تدهور الوضع في جبهة الشمال.

أما المسؤولون الأميركيون، وفي مقدّمهم وزير الدفاع لويد أوستن، فقالوا له كلاماً صريحاً وواضحاً: إن إدارة الرئيس جو بايدن لا تريد حروباً بلا نهاية في الشرق الأوسط، وإنه يجب العمل على الحلول الدبلوماسية مع لبنان، بينما ذكّره مسؤولون آخرون بأن التهدئة في غزة ستساهم حكماً بتهدئة في الشمال، وبتمهيد الطريق إلى تسوية دبلوماسية.

ما يرمي إليه نتنياهو، الذي يصعّد انتقاداته للإدارة الأميركية، هو الحصول على شيك على بياض لدعم إسرائيل في حربها المحتملة على لبنان. وعلى هذا، أجاب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة سي. كيو. براون بأن الولايات المتحدة لا يمكنها مساعدة إسرائيل على نحو ما فعلت ليلة 13-14 نيسان (أبريل) الماضي، عندما لعبت دوراً محورياً في صدّ المسيّرات والصواريخ الباليستية الإيرانية، التي كانت في طريقها إلى إسرائيل رداً على اغتيال القائد في "فيلق القدس" الجنرال محمد رضا زاهدي، في غارة على القنصلية الإيرانية بدمشق في الأول من نيسان نفسه.

لا يعني هذا أن أميركا لن تساعد إسرائيل في صدّ هجمات "حزب الله"، لكن نظراً إلى قرب المسافة بين لبنان وإسرائيل، فإنه من الناحية العملانية لا يمكن أن تكون المساعدة الأميركية فعّالة، وفق ما كانت في صدّ الهجوم الإيراني.

ومن المؤكّد أن الكلام الأميركي لا تستسيغه الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً نتنياهو الذي يستعد لإلقاء خطاب ناري أمام الكونغرس بعد أقل من شهر، سيشكّل نقطة حاسمة في اتساع شقة الخلاف مع بايدن، وانخراطاً أكبر في تعزيز حملة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وإذا كانت غاية نتنياهو توسيع الحرب كي يدافع عن بقائه السياسي، فإنه يريد جرّ أميركا إلى التورط مباشرة في مساعدة إسرائيل، خصوصاً إذا انخرط حلفاء إيران في مساعدة "حزب الله"، مع عدم استبعاد مشاركة طهران مباشرة.

مثل هذا التطور سيعني حتماً تورّط الولايات المتحدة في حرب شرق أوسطية أخرى، على أبواب الانتخابات الرئاسية. ولن يجد بايدن مناصاً من مساعدة إسرائيل، كي لا يتهمه ترامب بالتخلّي عن الدولة العبرية في زمن الحرب.

وهذا ما يفسّر الجهود التي تبذلها أميركا من أجل اقناع إسرائيل بأن الدبلوماسية لم تُستنفد بالكامل بعد، وبأن ثمة متسعاً لإيجاد حل سياسي مع لبنان عبر ترتيبات حدودية.

الحرب إذا اندلعت، لا يُعرف متى تنتهي أو كيف تنتهي. ويبقى الأمر مرهوناً إلى حدّ كبير باعتزام نتنياهو إبقاء إسرائيل في حالة حرب، كي يبقى هو في السلطة. باتت هذه متلازمة يعرفها الجميع.

وكما استطاع نتنياهو الحصول على مساعدة أميركا على مدة نحو 9 أشهر في غزة، يسعى اليوم إلى تكرار التجربة في الحرب المحتملة على لبنان.

يضغط نتنياهو على بايدن في توقيت صعب بالنسبة إلى حملته الانتخابية، ما يوقعه في مأزق كبير، لن يكون سهلاً إيجاد مخرج منه.