تعد المقاربة القائمة على برامج الإدماج اليوم من شروط الدعم وتحسين تصنيف الدول في مجالات عدة، ومن دون ذلك فإن أي دولة ستعتبر غير منخرطة في هذا المسار وتظل خارج جغرافية التنمية المستدامة.
طبعاً من المهم توضيح أن الإدماج الذي باتت تحمله كاسم جهات ومشاريع وبرامج عدة، إنما يقوم على فكرة الاعتراف بكل المهمشين في أي بلاد، منهم: الفقراء والمعوقون وكل من تتوفر فيه ملامح الهشاشة.
هكذا نفهم ملياً كيف أن الحديث عن الإدماج هو حديث في قلب التنمية والاقتصاد والمال والأعمال. وأن أهم تحديات التنمية المستدامة هو الفقر، بدليل أنه الهدف رقم واحد في قائمة الـ17 هدفاً تنموياً مستداماً. والإدماج وإن كان يعني الفئات المهمشة، فإنه يهدف إلى التعايش والسلام الاجتماعي الآمن مع الآخرين، بل إن الوضع من دون إدماج جميع فئات المواطنين أن يظل أي بلد مهدداً في أمنه الاجتماعي، وستمثل الفئة غير المدمجة قنبلة اجتماعية موقوتة.
لذلك فإن العمل على دمج الفقراء واحتوائهم هو في تمكينهم من الانخراط في المجتمع، وعنوان الاعتراف بهم ودمجهم هو عن طريق التوزيع العادل للثروات وتمكينهم اقتصادياً، وهو أهم مظهر من مظاهر الاعتراف المؤدي إلى الاستيعاب ومقاومة بذور الانشقاق والاحتجاج والتمرد بأشكاله المختلفة المعروفة وغير المعروفة.
من جهة ثانية، لا يخفى على أحد والعالم احتفل أمس باليوم الدولي لذوي الإعاقات المتعددة، أن نسبة كبيرة إلى حد الصدمة تعاني من الإعاقة، وهذا موضوع إضافة إلى ما يستلزمه من تغطيات صحية، بحاجة إلى بنية تحتية بشكل تكون فيه المؤسسات دامجة لكل الفئات، وتعترف بأصحاب الإعاقة وحقهم في الانخراط في كل المؤسسات والدوائر وحتى السكن والتعليم، الأمر الذي يخفف عنهم الشعور بالإعاقة وبالاختلاف وبعدم الاعتراف بهم. وفي الحقيقة لا يجب الاستهانة بالإدماج في مجال البنية والتجهيز؛ لأنه يشمل كافة المؤسسات داخل أي دولة بدءاً برياض الأطفال والمدارس والجامعات وصولاً إلى كافة المرافق الأخرى والأساسية، وهذا الأمر ليس في متناول جميع الفئات. وفي البلدان العربية والإسلامية فإنه على رغم الإقرار بحصول تبنٍّ لمقاربة الإدماج على مستوى العقارات والمباني بخاصة الجديدة منها، فإننا لا ننكر أنه بخلاف المؤسسات الجديدة، فإن المدارس في غالبية الدول العربية والأفريقية تعاني من عدم إدماج الفقراء والمعوقين.
وكما نلاحظ، فإن الإدماج ليس مشروعاً أدبياً معنوياً ومثالياً يحاول الانتصار للمهمشين بالكلام والشعارات والمصادقة على صكوك دولية، بقدر ما هو مشروع كبير يهدف إلى إدماج فئات المجتمع؛ أي إنه مشروع يحمل اسم هدفه.
وباختصار، ما يستحق التركيز عليه حالياً ونحن نتشدق بمقاربة برنامج الإدماج وتعداد إنجازاته، أن ندرك أن الإدماج يستوجب ميزانية ضخمة، وأن كل السر هو في المال الذي يعد عصب وقوام الإدماج ومحركه. وما نلاحظه في الخطاب الأممي هو التعاطي مع المسألة من زاوية حقوقية والاكتفاء بالدعم الفني من دون ضخ الأموال اللازمة.
ويبدو لنا أنه على المستوى الدولي لم يعد مواتياً مواصلة نفس الخطاب من دون تغيير مقاربات الدعم. إضافة إلى أن الدول القوية اقتصادياً من المفروض أن تفهم أن الإدماج داخل المجتمعات الموصوفة بالفقيرة أو المتخلفة أو السائرة في طريقها إلى النمو؛ أن هذا الأمر يصب في مصلحتها أولاً ويقيها مفاجآت غير المندمجين، من منطلق أن شبكات الموت والتكفير تنتدب خصوصاً غير المندمجين وغير المعترف بهم، والدليل على هذا أن ذاكرة العالم تعج بأحداث الإرهاب التي أيقظت المضاجع وغيّرت بوصلة العالم وأعادت صياغته على نحو جديد لم تتضح ملامحه.
من ناحية ثانية، من المهم أن يتم تبني خطاب واضح يقوم على رؤية اليد في اليد والتضامن الفعلي بين أجهزة الدول والقطاع الخاص والمجتمع المدني، باعتبار أنه يجب توفير تكلفة الإدماج الباهظة أولاً وضروريته ثانياً.
أيضاً كما هو شأن كل المشاريع الإنسانية والحضارية الكبرى، فإن الإدماج مسار كبير وطويل وقيمته في التقدم في قطع الخطوات نحوه لا في نقطته النهائية. كما أن كل خطوة تفتح المجال لخطوات تليها من الإنجاز. فالعبرة في التقدم في الإدماج وفي الحد من عدد الفقراء، والاعتراف بحقوق أصحاب الإعاقات في شتى المجالات.
من هذا المنطلق، فإن الخطة الأممية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة هي تفسير مفصل لمفهوم كبير هو: الإدماج. والمنجز في مجال الإدماج هو مؤشر نقيس من خلاله العلاقة بين الدول والقطاعات الخاصة والمجتمعات المدنية وحال الاقتصاد والتنمية.
التعليقات