كتب الزميل سمير عطاالله في «الشرق الأوسط» مقالاً، بمناسبة مرور 57 على حرب يونيو 1967، ذكر فيه أن ما حدث في ذلك اليوم، برأي أي عسكري عاقل، لم يكن هزيمة مخجلة، بل «خديعة كبرى»! وتزامن مقاله مع مقال جاهز للنشر، كتبته عن الموضوع نفسه.

يرى الصديق سمير أن ما حدث كان مؤامرة، وأن مصر (عبدالناصر) لم تكن تستحق كل تلك الشماتة، وهي التي بذلت كل ما بذلت من أجل العرب، وما قيل فيها هو تكرار لحماقات مقصودة، ودس رخيص وغبي، غير مدركين أن التنكيل بمصر هو تنكيل بالعروبة!

* * *

في الحقيقة لم يكن الأمر يتطلب الكثير من التحليل، لمعرفة هل كانت تلك الحرب هزيمة مخجلة أم مؤامرة، فالأمور يحكم عليها بخواتيمها، والنتيجة النهائية أننا، وبعد 57 عاماً، لم نتغيّر، بل تعمقت مشاكلنا أكثر، ولا يزال العسكر أنفسهم، الذين توارثوا الدكتاتوريات عمّن كانوا قبلهم، يحكمون عدداً لا بأس به من دولنا، ولم نتعلم شيئاً من دروس الهزيمة، فتوالت علينا غيرها.

* * *

قام الزميل الآخر إبراهيم عيسى، من خلال برنامجه «حديث القاهرة»، باختيار مدخل غير مسبوق للحكم على نتيجة حرب يونيو 1967، حيث قام بتفكيك خطاب التنحي، الذي ألقاه عبدالناصر، مساء يوم 9 يونيو، أي بعد 100 ساعة تقريباً من انهيار الجيش المصري، وكل كيان الدولة، وكان يفترض أن يكون خطاب «الوداع والاستقالة»، بعد كل ما حدث، أكثر صدقية وصراحة، مبيناً سبب الهزيمة، لكن مضمونه زاد الطين بللاً.

بيّن خطاب ناصر أننا لا نقرأ ولا نتعلم من دروس الحياة، حتى أكثرها ألماً. ولا نزال، منذ 60 عاماً، نكرر الأكاذيب نفسها. فقد مات في تلك الحرب 9800 ضابط وجندي مصري، وأسر 3799، ومع هذا لم تعرف الأرقام إلا في عام 1971. ووصفت المعركة بـ«حرب الأيام الستة»، وكانت في الحقيقة حرب ساعات معدودة، حققت فيها إسرائيل الانتصار بعد ثلاث غارات طيران، نجحت فيها في القضاء على كامل سلاح الطيران المصري، وسيطرت على السماء، وسهل بعدها في اليومين التاليين، احتلال كامل سيناء (61 ألف كم²)، وغزة، ليتفرغ «العدو» لجبهة الأردن، ويحتل القدس والضفة الغربية، وفي اليومين الأخيرين من الحرب احتل كامل هضبة الجولان، التي أعلنت سوريا سقوطها، حتى قبل أن تطأها قدم جندي إسرائيلي.

ما عرف تالياً، ومن خلال مئات المصادر، والاستماع وقراءة عشرات الشهادات وآلاف الصفحات، أن الرئيس ناصر زار قيادة الجيش صباح 5–‏‏6، وعاد لبيته ودخل غرفة نومه وأغلقها عليه في الأيام 6 و7 و8 ليجري منها عشرات الاتصالات، بقادة العالم، تمكنت إسرائيل من التنصت على بعضها، وأذاعتها، ثم ليخرج من غرفة النوم يوم 9 يونيو ليلتقي عامر في القيادة، لتنتهي حياة الأخير بطريقة غير معروفة حتى اليوم، وليذهب بعدها ويلقي خطاب التنحي!

استغرق الخطاب 22 دقيقة، لكنه لم يذع بعدها أو ينشر، بأمر من ناصر نفسه، إلا الدقائق الثلاث الأخيرة منه المتعلقة بقرار التنحي وتعيين زكريا محيي الدين رئيساً، في مخالفة دستورية. حتى هيكل، المهووس بنشر الوثائق في كتبه ومذكراته، لم ينشر إطلاقاً نص الخطاب أو يتطرق إلى مضمونه، بالرغم من أنه كاتبه!

ما انكشف من أحداث أيضاً أن صدقي محمود، قائد سلاح الجو، الذي قضت إسرائيل على كامل قوته في بضع ساعات، في حرب يونيو، كان نفسه قائد سلاح الجو في العدوان الثلاثي عام 1956، يوم قضت إسرائيل على كل طائراته في أماكنها، وكان صدقي من أكبر أنصار ترقية عبدالحكيم عامر من رائد إلى لواء، ليصبح القائد العام للقوات المسلحة المصرية، فهل كانت هذه مؤامرة أيضاً؟

كما تبيّن أن إسرائيل، التي منع ناصر، بقرار منه، قبل الحرب، عبور سفنها من خلال مضايق تيران، كانت أصلاً ممنوعة من المرور فيها منذ تأسيس إسرائيل، لكن بعد احتلالها لسيناء في 1956، طالبت بحق المرور في تيران مقابل الانسحاب من سيناء، فتم لها ذلك سرّاً، إلى أن انكشف الأمر بعد انتهاء حرب يونيو 1967.

مؤلم ومؤسف أن كل هذه الأسرار، وغيرها الكثير بقيت طي النسيان، ولم نتعلّم شيئاً منها، فأوضاعنا لم تتغير كثيراً منذ انقلاب 1952 الذي داس على الديموقراطية في مصر، وقضى على كل الحريات فيها، وفي غيرها، تالياً.

أحمد الصراف