كنا على مقاعد الدراسة الثانوية عندما راح يحكي لنا المُدرّس عن العالم أرخميدس، وهو من مواليد اليونان عام 287 قبل الميلاد، الذي خرج من حوض حمام منزله وراح يجري في الشارع ويصيح باليوناني (أوريكا أوريكا) وتعني بالعربية «وجدتها وجدتها»، وكنا نضحك كطلاب ونقول ما علاقتنا بهذا الخبل «الرخمة» أرخميدس، وماذا وجد؟

ووفق المصادر فإن أرخميدس قال «وجدتها وجدتها» لأنه تحقق من اكتشافه، وهو أن جسده في الماء أخف وزناً عندما نزل في الماء، وأن الانخفاض في وزنه يساوي وزن الماء.

لكن ما علاقة أرخميدس، بالشاعر شليويح العطاوي، فارس عتيبة، الشجاع، الذي قال يمدح نفسه: «يا ناشداً عني تراني شليويح قلبي على قطع الخرايم عزومي»، سنقول ذلك لاحقاً.

شاعرنا البدوي مواليد الحجاز قبل أكثر من 200 سنة، بلغت شهرته كل أنحاء الجزيرة العربية وتعدتها، وفي الثمانينات قَدِم إلى السعودية الباحث الهولندي مارسل كوربرشوك، وراح يتجول في صحراء الحجاز يسأل عن أحفاد شليويح ويجمع قصائده، وفعلاً وجد أحدهم، وسجل منه مسار حياته ودوّن بعض قصائده، وعاد لبلده ليُؤلف كتاباً عن شاعرنا بعنوان «البدوي الأخير»، وقد قرأت الكتاب مترجماً للعربية مرتين قبل سنوات عدة.

والآن نعود لسالفتنا التي تتحدّث عن الماء ووزنه، فأنا اكتشفت افتراضياً من قراءتي للشعر النبطي أن البدوي العربي قد يكون اكتشف قاعده أرخميدس قبل ذلك، حيث هناك ما يُعرف بـ«الوزنة» لدى أهل البادية، ويذكرها شليويح العطاوي العتيبي، الذي يقول في بيت من إحدى قصائده:

وإن قلت الوزنة وربعي مشافيح

أخلي الوزنة لربعي واشومي

ويعني البيت بأننا إذا كنا جماعة في صحراء سواءً كنا في غزو أو سفر، والمال شحيح ونخاف الموت عطشاً، فإننا نلجأ الى «الوزنة»، وهي حصاة صغيرة بحجم ظفر الإصبع، ونضعها بطاسة ونصب الماء عليها حتى يغطيها، وبعد ذلك نخرجها ليشرب أحدنا، ونعيد الكرة مرة أخرى ليشرب مسافر آخر، وهنا يكون قد تم وزن الماء ليشرب الجميع بالتساوي، وشليويح يفتخر بأنه «يشوم» أي يبتعد حتى يشرب رفاقه قبله رغم أنه أميرهم، ولشهرته ذاع صيته لشجاعته بين العرب.

وحدث أن شاهدته إحدى بنات البدو ولم يعجبها مظهره، حيث إن لهيب الصحراء وكثرة غزواته غيّرت من ملامحه ولونه وقالت:

«ذكرك جاني وشوفك ما هجاني».

بمعنى لم يعجبها شكله، وعندما وصل كلامها لشاعرنا إلا أن هجاها بقصيدة تتردد ليومنا هذا، بينما صاحبه أرخميدس، فلم يكن يملك شجاعة شاعرنا فقد دخل عليه جندي روماني وهو يجري تجاربه في معمله ولم يحرك ساكنا وقتله.

لهذا قد يكون العربي البدوي البسيط قد اكتشف وزن الماء قبل أرخميديس، قد يكون ذلك!

عموما أعجبتني سالفة «الوزنة»، وأردت أن أكتب عنها هذا الموضوع افتراضياً وليس علمياً.