في العالم العربي لدينا العديد من الجامعات، وتُدرس جميعُ فروع العلوم، لكني لم أرَ لهذه الجامعات أثراً مباشراً على مجتمعاتها، خصوصاً في مجال البحوث، وذلك لسببين، السبب الأول: قد تكون بحوث هذه الجامعات لا تلامس حاجات المجتمع الآنية، أو أن هذه البحوث لا تُنشر للعامة وتبقى حبيسة أدراج الباحثين ومشرفيهم، فتبقى حبيسة أدراج مكتبات الكليات والجامعات، بالتالي لا تُفيد المجتمع وتُفيد فقط الباحثين الذين نالوا عليها الدرجة العلمية، سواء كانت درجة الماجستير أو درجة الدكتوراه.
ولو أخذنا الاقتصاد مثلاً فسنجد اقتصاد العالم العربي يمر بمراحل متغيرة وسريعة، فمن الاقتصاد المؤمم وسيطرة الدولة على الاقتصاد إلى مراحل التخصيص، ولم نرصد بحثاً يحصي الإيجابيات والسلبيات لمثل هذا التحول لنعرف إلى أين نسير؟ وكل ما نسمعه انطباعات من بعض الإعلاميين غير المتخصصين بأن الدولة تبيع ممتلكاتها، وهذه انطباعات لا تُسمن ولا تغني من جوع، فلو وجهت البحوث الجامعية لدراسة مثل هذه الحالات لخرجنا بدراسة علمية أكثر دقة مدعمة باستبيانات ودراسات ميدانية متعددة بتعدد الباحثين، واستطعنا من خلال هذه البحوث تكوين رؤية مبنية على بحوث ميدانية مستخدمة أساليب بحث علمي تشخص الواقع وتبين مكاسب وخسائر مثل هذا الاتجاه.
وأسواق الأسهم في عالمنا العربي حديثة النشأة وكثيرة التغيرات، ومع ذلك لم نرَ بحوثاً جادةً تتطرق لجانب معين من السوق، فمثلاً في السعودية رأينا المرأة تدخل مجالس إدارات الشركات المساهمة، ولم نرَ دراسةً علميةً تبين أثر دخول المرأة في مجالس الإدارات، وإن كانت الانطباعات تؤكد أن المرأة أكثر حذراً من الرجل في اتخاذ القرار، وأنها تحسب حساباً للمخاطر أكثر من الرجل، وهذا قد يفقد الشركة بعضاً من فرص النمو.
وكذلك في السعودية سُمح للأجانب بدخول مجالس الإدارات، ولم نرَ دراسة جامعية تبين أثر ذلك، وإن كان الانطباع أن مثل هؤلاء قد ينقلون تجارب جديدة تستفيد منها الشركة.
كذلك لم نرَ دراسة علمية قام بها باحثون تبين أثر الإدارة الكفؤة أو غير الكفؤة على سعر السهم.
واقتصاد العالم العربي متنوع وغير متماثل، فمقومات الاقتصاد المغاربي تختلف عن اقتصاد المشرق العربي، ولو قامت دراسات جامعية بتشريح مقومات كل اقتصاد ومميزاته وعيوبه بشكل دقيق فربما جذب ذلك مستثمرين من الخارج هذا أولاً.
أما ثانياً: فقد تكون هذه البحوث سبباً في إزالة العوائق التي تقف في وجه كل اقتصاد قُطري عربي، وربما ساعدت متخذ القرار في إزالة بعض المعوقات التي تقف في وجه نمو الاقتصاد، سواء كانت هذه المعوقات تشريعية أو إجرائية.
وأخيراً، العالم تقدم فلو وضعنا منصة عربية إلكترونية تحت مسمى «بحث» تُنشر بها البحوث العربية ليستفيد منها الجميع، بدلاً من الاكتفاء بنشر أجزاء من هذه البحوث في المجلات المحكمة وغير المحكمة، ليطلع عليها الجميع، وليعرف الباحث أن بحثه سيطلع عليه القاصي والداني، فقد يكون ذلك حافزاً للباحث في تجويد بحثه الذي يعرف مسبقاً أنه سيكون متاحاً للجميع. ودمتم.
التعليقات