هو فنسان بولوريه، أحد أثرى أثرياء فرنسا. وهي زاهو دو ساغازان، مغنية في أول السلّم. وجدت نفسها فجأة في عين الإعصار. لماذا يضع الرجل السبعيني الذي يملك تسعة مليارات يورو، لماذا يضع عقله بعقل شابة في ربيعها الرابع والعشرين؟ نتابع ونستغرب. فمشكلته معها تحولت إلى قضية تتداولها الصحف، تستدعي تساؤلات حول حرية التعبير. وهو حق، لو تعلمون، مقدس في فرنسا، يُراق على جوانبه الدم.

يمتلك بولوريه باقة مؤثرة من قنوات التلفزيون والصحف ووسائل النشر، وغير ذلك من شركات. إنها واحدة من فجوات الديمقراطية في الدول ذات الاقتصاد الحر. فهي تسمح للمستثمرين بشراء مؤسسات قادرة على التأثير في الرأي العام. يستطيع الرجل أن يساند حزباً أو شخصية سياسية ويدعمه في الانتخابات بكل ما يملك من وسائل تأثير، وأن يوصله إلى أعلى منصب في الجمهورية المنتشية بمبادئها.

كفرت هذه الشابة الموهوبة المدعوة زاهو وشتمت سيريل حنونة. إنه صاحب البرنامج اليومي الذي يحقق أعلى نسب المشاهدة بين القنوات الفرنسية. وبهذا فإنه عمود خيمة بولوريه. وسبق وأن كتبت لكم عن حنونة هذا، وعن فلتاته التي يصعب ضبطها. ولأنه لا يراعي ذوقاً ولا يتحرج من انتقاد كائن من كان، باستثناء رب نعمته طبعاً، صار حصان السبق في مجموعة بولوريه الإعلامية.

ثم طلعت زاهو من مكان ما وألقت بقنبلتها. قالت عبر حسابها في موقع للتواصل إن سيريل حنونة يروّج في برنامجه لليمين المتطرف. هذه حقيقة وليست سبّة. لكن المغنية المبتدئة لم تعد نكرة. وهي تكتب نصوصها بنفسها وتلحنّها وتؤديها في تسجيلات تجمع حوله ملايين الشباب. وفي الحفل السنوي الأخير لتكريم أفضل العاملين في حقول الموسيقى نالت أربع جوائز.

بين ليلة وضحاها تم شطب أغنيات زاهو من قنوات بولوريه وإذاعاته وغاب صوتها عن الشاشة. تعتيم كامل واغتيال معنوي ما كان يمكن أن يمر مرور الكرام ولا اللئام. اجتمع خمسمائة كاتب ومغن وممثل وروائي وحرروا رسالة مفتوحة موجهة إلى الرجل المهيمن على المشهد الثقافي في فرنسا. وبين الموقعين الروائية حاملة نوبل آني إرنو والكاتبة دومينيك إدّة والنجمة جولييت بينوش والمغني رينو والممثلة رشيدة براكني والعديد من أعمدة ما يسمى بالقوة الناعمة.

قال الموقعون على الرسالة إنهم يرفضون تخيّل عالم يعاقب على كلمة حرّة. وهم يشعرون بالقلق ويؤكدون: «لن نسكت. وسنهاجم بشكل منهجي أي منع لفنان لا تتناسب آراؤه وتعليقاته مع إدارة الإعلام الثقافي». وختموها بأنهم ينتظرون جواباً من صاحب الشأن: مسيو بولوريه.

خلال ذلك تواصل زاهو التحليق بحرية. تقول في أغنيتها الجميلة «سمفونية البَرْق»: «الجو رائق دائماً فوق السحاب... أما أنا لو كنت طائراً لرقصتُ في العاصفة... سأخترق الغيوم كما يفعل الضوء... وسأصغي تحت المطر لسمفونية البرق».