هل ثمّة فوارق شاسعة حقّاً، بين سلوكيّات النظريات السياسيّة والاقتصاديّة الشديدة التباين؟ خذ مثلاً الرأسمالية الليبرالية في كفّة، وفي الأخرى الاشتراكية الشيوعية البروليتارية الستالينيّة. ستلوحان لك عالمين مختلفين من النقيض إلى النقيض. لكنك حين تنظر من قريب، ستراهما مثل مرآتين متعاكستين، مع فرق شكلي، قل إن شئت كالفرق بين فكّي القرش وفكّي التمساح. أنت محقّ إذا تذكّرت أن غُلاة دعاة التحرير ونشر الديمقراطية يفضّلون أحياناً طريقة قطيع الذئاب أو قطيع الضباع، حتى تتوزع المسؤولية بين أعضاء المجتمع الدولي المتحالفين على المساكين بالسكاكين.
لكن، ما سرّ اختيار القلم موضوعاً ليس من هموم الساعة، بل إنه يعيدنا عشرات السنين إلى الوراء، أيّام الحرب الباردة بين الإمبراطورية والاتحاد السوفييتي؟ أيّامَها انجرف العالمان العربي والإسلامي إلى الإدلاء بدلائهما في منازلة الماركسية بسلاح العبارة الشهيرة: «العلم والإيمان»، من منطلق أن الشيوعية ملحدة. ثم التقت الجموع مع الجمعين في أفغانستان، وسقط عندها المعسكر الاشتراكي، ونادى المنادي فوكوياما: وصلنا إلى «نهاية التاريخ»، وصاح هنتنغتون: ألا هبّوا إلى «صدام الحضارات» فالدور على الإسلام. قلبت «القاعدة» السترة، وأنجبت «داعش»، وبدأت لعبة دومينو العصر الحجري.
جرت عادة القلم، بعد الفراغ من جولات القراءات اليومية المتنوعة في مجالات شتى، أن يختم بما يشبه «التحلاية»، أو «الديسير»، في كل مرّة مجموعة من مقولات المشاهير قديماً وحديثاً، فلاسفةً وعلماء وساسةً ومتصوفين. في أثناء الجولة، وقع البصر على مخزن متفجرات من أقوال جوزيف ستالين. بعد إبطال كل صمّام وصاعق وفتيل، بدأت المفاجآت. يقول صاحب الستار الحديدي: «الأفكار أقوى من الأسلحة. لن نسمح لأعدائنا بامتلاك أسلحة. إذاً لماذا يكون علينا أن ندعهم يملكون أفكاراً؟».
ألا ترى طرافة الثقافة الغربية وظُرف التحضّر؟ لقد نجحت قوى الغرب في مستعمراتها، طوال التاريخ الحديث، في وأد الأفكار التي تحمل في طيّاتها بذور العمل العربي المشترك والتكامل والتعاون، علميّاً، اقتصادياً، تجارياً، صناعياً، زراعيّاً، دفاعيّاً، تعليمياً، حتى في محو أنواع الأمّية في ميادين شتى. متى ستعود البلدان المدمّرة إلى ما كانت عليه قبل خمسين سنة؟ عندما غادر الفرنسيون النيجر، الذي «شفطوا» يورانيومه نصف قرن وباعوا الكهرباء منه لدول أوروبيّة عدّة، كانت حتى عاصمته نيامي، وأهلها كالنيام، بعض أحيائها في ظلام. ختامها «مَسْك» من الخناق. يقول ستالين: «موت شخص مأساة، أمّا موت مليون شخص فإحصائية». ضحايا العراق 1.5 مليون، والله وحده يحيي الرميم. كأنهم يقولون للمعتصم: ولّى زمانك.
لزوم ما يلزم: النتيجة الغذائية: أحياناً «التحلاية» سعراتها الحرارية أكثر ممّا في الأطباق الرئيسية.
التعليقات