عبداللطيف الزبيدي
ما هي الهموم التي يثيرها طرح موضوع الإبداع التربوي؟ أساساً هو غير موجود في العالم العربي. المرمى بعيد، وما هو كائن تفصله مسافات عمّا يجب أن يكون. المشكلة هي أن الحديث عن «نحو الإبداع التربوي» لا يحدّد المسافة المكانية ولا الزمانية. ألا ترى أن الأنظمة التعليمية العربية، منذ أكثر من قرن، وهي مدارسها مفتوحة تستقبل التلاميذ والطلاب، يدرسون ويتخرجون، واهمةً أن المناهج يشع منها الإبداع التربوي كل سنة دراسية. في الواقع، هي كالواقف إلى جانب جهاز المشي يتوهم أنه يمارس الرياضة.
أيّها التربويون الأفاضل: لا تجهدوا عقولكم سدىً، ولا تذهبْ جهودكم هباءً. شكر الله سعيكم على كل ما بذلتموه، سوى أنكم نسيتم مسألة أهمّ من كل ما في المكتبة العربية من قواعد نحو وصرف وفنون بلاغة وبديع وبيان. لقد فاتكم أهمّ المهمّ، أن تجعلوا الدارسين ينصهرون في لغتهم، لأنها هويتهم، وطنهم، ترابهم، سيادتهم، وجودهم، ثقافتهم، حضارتهم، تاريخهم، تراثهم، مفتاح عملهم المشترك، روحهم، طريقة تفكيرهم، أيديولوجيتهم، جيوسياستهم، جيوستراتيجيتهم، حمضهم النووي، سلاحهم، إبداعهم، مكانهم وزمانهم، أرضهم وسماؤهم.
تربيتكم الهلامية أنشأت للعرب جيلاً أغلبه هويته جوّال، علومه ومعارفه وسائط اتصال مآلها مهملات السلال. معارف تأنف منها المعالف. لكن، لا أحد ينكر ما نجحتم فيه حق الفلاح. لقد جعلتم الفتيات والفتيان تصطك رُكبهم هلعاً ورعباً إذا طرقت سمعهم القواعد، فالقاعدة مثل «القاعدة» تستطيع أن تحرمهم بهجة الحياة بإهانتهم في الامتحان. يقول المسكين: كيف يمكن أن تجعلني أرسب، وألاقي المصير، مادّة لا تزرع، لا تصنع، لا أحتاج إليها في الوظائف الحيوية والحياة العامّة؟ كيف أخفق بسبب مادّة لا تطعم الجياع ولا تداوي المرضى؟
كلام سليم كلامُه، فليس عليك ملامُه. المناهج العربية لم ترتبط بالتنمية، لم تعرّب العلوم لتلتحق العربية بمواكب إنتاج العلوم. فضائيات العرب جلّ برامجها بالعامّية. فما هو حظ الفصحى؟ ولماذا تريدون من بناتنا وأبنائنا أن يمشوا في الأرض زهواً، وأن يخرقوا الأرض ويبلغوا النجوم علوّاً؟ بل ما هي إنجازاتكم التي تجعلهم يعشقونها. كيف يقعون في غرامها إذا لم يحسّوا بجمالها؟ ألا تعترفون بأن إرادة شعوب عربية عدّة كسيرة، عيونها حسيرة؟ هل يجوز أن ينجح المراهق العربي في القواعد ويكتب ويتكلم لغة بنيانها سليم، بينما في بلاد العرب بلدان لم يبق من بنيانها حجر على حجر؟ الضمير العالمي مستتر خوفاً من قول الحق، والشرّ مُضمر، وحق القوة مقدّر.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: الأمّة منسوبة إلى العربية، فإذا انهارت الهوية، فلن تقوم للأمّة قائمة.
التعليقات