ليلى أمين السيف

هناك مثل شعبي، مبدئيًا أعتذر عن ذكره ولكنه يصيب كبد الحقيقة.. يقال: (عنز الشعيب تحب التيس الغريب).

تذكرت هذا المثل بعد أن شاهدت فيديو ورأيت كمية التعليقات من الأمهات ومعاناتهن مع بناتهن وتذكرت أمي - ورحم الله كل الأمهات وجزاهن الله عنا جميعًا بكل خير.

تذكرت عندما ذهبت لأبي شاكية له من «تعنت» أمي معي وتشددها وعدم سماحها لي بالحديث بالهاتف أو بزيارة صديقاتي، وكعادة كل الآباء - رحم الله أبي وآباءنا جميعاً وغفر لهم وجزاهم بالخير والإحسان. أقول كان أبي يعيد الكرة لأمي ويقول لي أنه هو ينفذ أوامرها فهي أدرى بمصالح البيت. طبعاً الآباء ضعفاء حيال بناتهم ولكن الأمهات أدرى بكل شاردة وواردة، أدرى بالتفاصيل التي لا يراها الرجال لذلك ترك أمر البنات لها وقد أحسنت تولي زمام المسؤولية.

وأتذكر أنها منعتني ذات مرة من إحدى الصديقات التي كانت جارة لي دون إبداء الأسباب سوى (اسمعي كلامي وأنا أدرى بمصلحتك). وقتها قال لي أبي (انظري يا ابنتي. قد ترين أن أمك تتشدد معك وأن هذا شأن يخصك ولكنني أريدك فقط أن تتفحصي زميلتك بعين الناقد الذي لا ناقة له ولا جمل بهذه العلاقة، فإن رأيت أن هذه العلاقة ستضيف لك فإنني أكثر واحد سيقف معك ويدعمك، وإن رأيت أنك لن تخرجي من هذه العلاقة بشيء يفيدك في دنياك وآخرتك فاعلميني ولنناقش كيف السبيل لبدء علاقات سليمة تزيدك تألقاً نفسياً واجتماعياً وفكرياً).

وفعلاً هداني ربي لأفضل العلاقات وأجملها وأكملها بفضل والدي رحمه الله.. وأشكر نفسي أنني ممن يستمع القول ويهتدي بالنصح ولا يكابر أو يعاند لمجرد العناد.

مع ذلك أتذكر ابنتي الصغرى حين دار ذات الحوار الذي دار بيني وبين أبي، وقتها قالت لي ابنتي بالحرف الواحد: «أنا أعلم أن كل ما تقولينه صحيح وسوف أنفذه بحذافيره مع بناتي، ولكنني أريد أن أزور زميلاتي»، ومع ذلك فإن أبناءنا لا يستمعون لنصحنا ودوماً نصائح الغرباء لها وقع ساحر في نفوس فلذات أكبادنا.. لذا كنت حين أريد نصح بناتي أحاول أن أجعل النصيحة تأتي من صديقة مقربة لكلا الطرفين.

تربية الأبناء ليست سهلة والبنات على وجه الخصوص تستلزم صبرًا ومدارة وضبط نفس كي نصل بالمركب إلى الضفاف الآمن.

أتمنى على بناتنا وأبنائنا أن يجعلوا والديهم صمام أمانهم وملجأهم حين تعثرهم وملاذهم أو أن ضيقهم وقبلتهم في كل حين ووقت فهما الملجأ الآمن الصادق والحضن المحب. فلا تبحثوا عن نصح أو مشورة إلا لدى محب حبيب ومن سيكون سواهما.

أعجبتني هذه الأبيات فنقلتها لأنها تصب في المعنى ذاته:

فالعنبرُ الخامُ روثٌ

في مواطنهِ وَفِي التَّغَرُّبِ

مَحْمُولٌ عَلَى الْعُنُقِ

والكحلُ نوعٌ منَ الأحجارِ

تنظرهُ فِي أرضِهِ

وَهْوَ مَرْمِيٌّ عَلَى الطُّرُقِ

لمَّا تغرَّبَ

حازَ الفضلَ أجمعهُ

فَصَارَ يُحْمَلُ

بَيْنَ الْجَفْنِ وَالْحَدَقِ