عبداللطيف الزبيدي
أما ملّ العالم العربي مناهج بلا مباهج، وتعليماً رتيباً بلا برامج؟ حقّاً تستحق الرثاء، الأمّةُ التي ترى نظامها التربوي وظيفةً تقوم بها، وواجباً تؤدّيه. الطريف في المأساة أن الناس يعجبون لكثرة الاختراعات ووفرة الإنتاج الصناعي والتقاني، وتحليق أرقام التنمية والنمو، في الدول المتقدمة، وينسون أن التربية والتعليم منذ مطلع القرن العشرين وهما شيء واحد في دنيا العرب. هما في البلاد العربية تعليم لا يعرف التطور والتجديد والتغيير، وتربية عاطلة، لا تحظى ولا حتى بدور كومبارس.
في السنين الخوالي، ولعل هذا التطوير الكاريكاتوري لم يندثر تماماً، كانت تظهر على أغلفة بعض الكتب المدرسية، مرّةً كل عقد، عبارة: «نسخة منقّحة». أمّا تلك التي لم توشحها تحفة التنقيح، فهي في نظر واضعيها والمشرفين عليها: صالحة لكل زمان ومكان، تتوارثها الأجيال ككنوز مسلّمات وثوابت. أمّا العالم الحيّ، فهو يتجدّد في كل نبض ونفَس.
إشكالية الإشكاليات أن يكون ميراث الأمّة يتجاوزها بمسافات وآماد. البحث التحقيقي اليوم يسير. حاول جمع بضع مئات من أفضل ما في المكتبة العالمية، في مجال التربية والتعليم، فلن تجد مقولةً واحدة تساوي 5% من عظمة: «لا تُعلّموا أبناءكم ما عُلّمتم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم». أليس نكراناً لجمائل ميراثنا الرائع، أن تنتهج المناهج العربية سبيل: «إنّا وجدنا آباءنا»، بينما تقضي فنلندا بألاّ يتولى التدريس في الابتدائية شخص لا يحمل الماجستير؟ بل إن هذه الدرجة العلمية غير كافية لديها، فعلى المتقدم أن تكون له موهبة التدريس، أي أن التربية التي هي طريقة إيصال المعلومة، أهم من التعليم. يقول أينشتاين: «إذا لم تستطع شرح فكرة معقدة لطفل في السادسة، فذلك أنها غير واضحة في ذهنك».
لا ينبغي السؤال: لماذا الإصرار على أن تكون المناهج مجال إبداع؟ هل ثمة داع إلى أن يغدو أداء الواجب إبداعاً؟ هنا مكمن الهاوية التي وقع فيها العالم العربي. الدليل المتكرر: ما الذي يجعل بنات العرب وأبناءهم يخفقون في تعلم لغتهم؟ في كل مكان، تسمعهم يتحاورون بلسان غير عربي، فهل حدثت معجزة المعجزات، أن سمع أحدهم فتيات أو فتياناً يتحدثون الفصحى؟ أمّا الإنجليزية أو الفرنسية فذلك تشبّه بالخواجات. بمجرّد النطق يكتسب اللسان «قيمة حضارية مضافة».
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: أوّل إبداع ننتظره من أهل المناهج العربية، هو أن نرى على وجوههم مظاهر الشعور بالملل من الرتابة.
التعليقات