عبد الله سليمان الطليان

لقد تعرضت في مقالات سابقة إلى مهنة الطب، هذه المهنة التي تعتبر إنسانية قبل أن تكون تجارية أو تسويقية التي طغت على عصرنا في سباق محموم نحو الطمع في تحقيق الربح المادي الذي يزداد يوماً بعد يوم بحيل وطرق متعددة، والسبب في العودة والتحدث عن هذه المهنة هو ما شدني سجال حدث بين طبيبين في منصت (إكس) سوف أشير إلى فحواه لاحقاً والتعقيب عليه.

يقول أبي الطب أبقراط اليوناني (يجب على عالم الطب أن يكون رحيمًا عفيفاً محباً أن ينفع الناس) وذكر في ناموسه المعروف باسم «ناموس أبقراط»: «إن الطب أشرف الصنائع كلها، إلا أن نقص فهم من ينتحلها صار سبباً لسلب الناس إياها، لأنه لم يوجد لها في جميع المدن عيب غير جهل من يدعيها ممن ليس بأهل للتسمي بها، إذ كانوا يشبهون الأشباح التي يحضرها أصحاب الحكاية ليلهوا الناس لها، فكما أنها صور لا حقيقة لها، كذلك هؤلاء الأطباء، بالاسم كثير، وبالفعل قليل.» مضيفًا: «العلم بالطب كنز جيد وذخيرة فاخرة لمن علمه، مملوء سرورًا، سراً وجهرًا، والجهل به لمن انتحله صناعة سوء، وذخيرة رديئة، عديم السرور دائم الجزع والتهور، والجزع دليل على الضعف، والتهور دليل على قلة الخبر بالصناعة» وأشار إلى سبع خصال يجب أن تجتمع في الطبيب:

- الأولى أن يكونَ تام الخَلق، صحيحَ الأعضاء، حسنَ الذكاء، جيد الروية، عاقلاً، ذكورًا، خير الطبع.

- الثانية أن يكون حسن الملبس، طيب الرائحة، نظيف البدن والثوب.

- الثالثة أن يكون كتومًا لأسرار المرضى، لا يبوح بشيءٍ من أمراضهم.

- الرابعة أن تكون رغبته في إبراء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتمسه من الأجرة، ورغبته في علاج الفقراء أكثرَ من رغبته في علاج الأغنياء.

- الخامسة أن يكون حريصًا على التعليم والمبالغة في منافع الناس.

- السادسة أن يكون سليم القلب، عفيف النظر، صادق اللهجة، لا يخطر بباله شيءٌ من أمور النساء والأموال التي شاهدها في منازل الأعلاء، فضلاً عن أن يتعرضَ إلى شيء منها.

- السابعة أن يكون مأمونًا ثقةً على الأرواح والأموال، لا يصف دواء قتالاً ولا يعلمه، ولا دواء يسقط الأجنة، يعالج عدوه بنية صادقة كما يعالج حبيبه.

فهل هذه الخصال جميعاً ما زالت موجودة عند جميع الأطباء في عصرنا؟ طبعاً الإجابة تعتمد على المواجهة التي فيها الكثير من التجارب التي تميل إلى السلبية أكثر من الإيجابية، ولعل الأبرز في هذه السلبية من وجهة نظري هي عند مقابلة المريض الطبيب الذي نجد فيه الطبيب يتعالى على المريض ويزدريه ويستخف به ولا ينصت إلى شكواه بشكل مرض ويستعجل في إخراجه من عيادته وهذه حقيقة واقعة، وقد تكون حجته أن هناك مرضى كثراً أو أن حالة المريض بسيطة ولكن هذا ليس مبرراً وهذا كان فحوى الحوار الذي دار بين طبيبين على منصت (إكس) أحدهما مدح الأخرى على الوقت الذي قضاه في الاستماع إلى شكوى مريضة، حيث كان مطولاً وغير معتاد، فراح يسكب المدح له على صنيعه هذا أن أقول هذه من واجبات الطبيب الحقيقي الذي يعرف أن مهنة الطب إنسانية قبل أن تكون تجارية.