يستعيد الشاعر والباحث في الثقافة الشعبية الصديق علي عبدالله خليفة ذاكرتين، في مقاله الافتتاحي للعدد الأخير من مجلة «الثقافة الشعبية» الصادرة في البحرين، بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي «IOV»، التي يرأس خليفة دورتها الحالية. الذاكرة الأولى تتصل بالمجلات العربية المهتمة بالثقافة الشعبية، ومنها مجلة «التراث الشعبي» العراقية، ومجلة «المأثورات الشعبية» التي أصدرها مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية الذي كان مقره في الدوحة عاصمة قطر، والذي لم يقدّر له الاستمرار، وأخيراً مجلة «الثقافة الشعبية» ذاتها، أما الذاكرة الثانية فتتصل بتلك التي دعاها خليفة في عنوان مقاله «رائحة حبر الطباعة على الورق».كيف أصبح الأمران بالنسبة لعلي خليفة ذاكرة؟هذا ما نستخلصه من ثنايا مقاله، ولنبدأ بالأمر الأول المتصل بمصير المجلات العربية المختصة بالثقافة الشعبية، حيث أدت تقلبات الزمن إلى توقف المجلة العراقية «التراث الشعبي»، فيما لم يُقدّر لمركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية الاستمرار، فأدى إغلاقه، بشكل تلقائي، إلى توقف مجلة «المأثورات الشعبية»؛ كونها صادرة عنه، فيما «يتعثر بين حين وآخر إصدار المجلة المصرية (المأثورات الشعبية)»، وهو أمر يدعونا إلى التساؤل عن عوامل تراجع، بل غياب، الاهتمام بالدراسات والدوريات المتصلة بالثقافات الشعبية، وأوجه التراث المادي وغير المادي، وهو أمر توليه الأمم النابهة اهتمامها الكبير، صوناً لذاكرتها ولهويتها الوطنية والقومية، فالثقافة الشعبية لأي أمة كنز لا يمكن التفريط فيما يحويه من معارف وخبرات، لا غنى لا للحاضر ولا للمستقبل عنها.على خلاف المجلات المهتمة بالثقافة الشعبية التي توقفت أو تعثرت، ما زالت مجلة «الثقافة الشعبية» في البحرين مستمرة في الصدور، ولكنها تحوّلت منذ عددها الأخير إلى مجلة إلكترونية، وكفت عن الصدور ورقياً، في زمن يتجه حثيثاً نحو المعلومة الرقمية، وهنا نقف على السبب الثاني لحنين علي خليفة لذاكرة حاول استعادتها، وبوسعنا تخيّل مشاعر من ارتبط بذاكرة رائحة الحبر على الورق، كما أسماها هو، ليس بصفته قارئاً فقط، وإنما بصفته سيّد مطبخ المجلة؛ كونه رئيس تحريرها، كما ارتبطت ذاكرته بمجلات أخرى سواها، اعتاد أن يكون من أوائل متصفحيها بعد خروجها من المطبعة.لا رائحة للحبر بعد اليوم ستشمّ، ولا يد ستمسك بعدد المجلة الجديد، تتصفحه صفحة وراء صفحة. كل شيء تحوّل على الشاشة، من هناك يجب أن تُقرأ المطبوعات والصحف لمن أراد. ستأتـي أجيال بعدنا، بل إن بعضها قد ولد وهو بيننا، سيسمع ويقرأ عما كان يطبع على الورق في مطابع كبيرة مختصة، ولا نعلم إذا كان أبناء هذا الجيل سيشفقون علينا، نحن أبناء رائحة الحبر على الورق، أم سيسخرون من حنينا الرومانسي إليها.
- آخر تحديث :
التعليقات