ميسون أبو بكر

دور السينما في الرياض والتي أصبحت حديث الكثيرين بالنسبة لجاهزيتها وفخامتها وعرضها لأهم الأفلام العربية والعالميّة أغراني ما سمعت وما قرأت لخوض التجربة لحضور الفيلم المصري «أولاد رزق» رغم أنني لست أبدا من متابعي السينما العربية التي عزفت عنها منذ زمن لأسباب لا أود أن أذكرها هنا لأن لها طرحا آخر، لكنني اخترت هذا العمل بالذات لأن ابني محمد أخبرني عن مشاهده المصورة في الرياض وكان متحمساً جداً لمشاهدة الفيلم الذي ترك بعض أحداثه غامضاً لدي لتشويقي وتشجيعي على حضوره.

دخلت مواقع السينما على الإنترنت ولا أخفيكم سراً أنني ربما أكون من القلائل الذين صمدوا أمام تسونامي التقنية فلا أحب أن أستعين بالتطبيقات لشراء حوائجي ولا الشراء عبر الإنترنت، ولكن تجربة شراء تذكرة كان سهلاً جداً وتفاجأت أن التذكرة بـ15 ريالا فقط وعرفت أنها فرص أخيرة اتيحت للناس في أيام العرض الأخيرة للفيلم، ولما وصلت دار السينما ب U Walk دخلت عن طريق الخطأ لصالة أخرى عرفت أنها صالة (vip) والفيلم لم يعد متاحا هناك فتوجهت حيث أرشدني الشاب السعودي المهذب لصالة السينما الأخرى التي تحتوي عدة صالات مرقمة في مكان نظيف به عمال للخدمة وآخرون لبيع المثلجات و(الفشار)، ودلفت لدار السينما أتابع في أجواء تختلف عن تلك التي خضتها في دول أوروبية، النظام والنظافة والمشاهدين والهدوء عدا أجواء زوج وزوجته صغار في السن كانت تعليقاتهم مسلية وممتعة كالعرض تماما، وما أن بدأت المشاهد التي صورت في الرياض حتى بدأت المتعة الحقيقية بالنسبة لي، موسم الرياض، حلبة المصارعة، أهم المصارعين الذين قدموا قبل فترة والحاضرين من النجوم، محبوب الجماهير كريستيانو رونالدو والجميلة جورجينا رودريغيز، السيارات الفارهة والسجادة الحمراء أجواءً نعرفها وتابعناها وقت الحدث، ورغم أنني لست من عشاق المصارعة إلا أنها جذبت انتباهي حين صارت على جدول المناسبات الرياضية والترفيهية في المملكة.

السينما تعطي الأشياء بعدا آخر، لها جوها وتأثيرها الصوت والصورة.. هدوء الصالة يجعل من المشاهد شريكا أو عنصرا مضافا للعرض، والرياض التي أعشقها كان ليلها كسماءٍ ثانية، الممثلون لم أكن أعرف أي منهم أنا من جيل مختلف أحب جيلا من الممثلين سبقه بأجيال، كانت أمي تعشق فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وشادية ونادية لطفي وغيرهم فأحببت بدوري أناقة هؤلاء ورومانسيتهم، قرأت معهم مكاتيب الحب وشدوت على ألحان أغانيهم التي لم يأت بعدها ما يشبهها، فقد كان العرض مختلفا عن ذائقتي وكانت فرصة لمشاهدة ما يرغبه الجيل الحالي وما يحبه أبنائي، والفرصة الأجمل أنني جلست أمام الرياض وجها لوجه أمام شاشة كبيرة؛ ليلها كخيمة، وأبراجها المنيرة كشلالات نور، وشوارعها الواسعة أنهار من الحياة لا تهدأ ليل نهار إلا أنها ترق في الليل وترق نفوس سكانها وزوارها وعابريها، إنها كما قال طبيبي الفرنسي تشبه نيويورك لحد كبير، فقد أرسلت له صورة الرياض من نافذتي في الدور ما بعد الستين وكان تعليقه؛ هل أنتم في نيويورك!

فكرة ذكية عرابها المستشار تركي آل الشيخ الذي تطربني عبارته التي تعد دائما بالأجمل «الوعد بيني وبينكم» كما أفكار كثيرة أخذت بالمملكة أبعادا أكبر وبسرعة فائقة.

ككاتبة عاشقة للرياض أنتظر عملاً جديداً مسرحه الرياض يتحدث عن كاتب أو أديب عاش المرحلتين الرياض قبل والرياض الآن، عمل عن د. غازي القصيبي مثلا وهو يقطع طريق خريص والوشم والناصرية، وهو يغادر مكتبه في وزارة العمل، وهو يقرأ قصيدته الرائعة «أنت الرياض»، والقادم أجمل.