أشاد يهود إسرائيل بمجموعة من العوامل المهمة، التي كسبوا من خلالها أغلبية الرأي العام الدولي، وكيف أحسنوا استخدام المال، الذي يمتلكونه، ويمتلكه يهود أمريكا وأوروبا، في الدعاية لدولتهم، وكسب التعاطف لكل مواقفها، كما امتازوا، منذ ما قبل تأسيس دولتهم، وما بعدها، بالشفافية واحترام قياداتهم بعضهم لبعض، فلم تكن بينهم صراعات، إلا ما ندر، ولم نسمع بخياناتهم لبعضهم، ولا وجود لحالات فساد بينهم، ولا تجاوزات صارخة، بل نجحوا في بناء دولة ديموقراطية ذات قضاء مستقل ومجتمع صحي، طالما طالبنا بالاستفادة من تجاربها، وأقلها الوقوف في الطابور.

كما نجحوا في خلق مجتمع عالي التعليم، محب للبحث، وغارق في الصناعات الحديثة. كما كانوا عادلين، إلى حد ما، مع سكان إسرائيل من غير اليهود، حيث عوملوا بطريقة أفضل من معاملة أغلبية حكومات دولنا لمواطنيها، وكان ولا يزال هناك نواب في الكنيست من غير اليهود.

تغيرت إسرائيل كثيراً، مع منتصف 2023، مع تصاعد وتيرة التظاهرات المعارضة للحكومة، والمطالبة باستقالة نتانياهو، وزيادة فرص إدانته في قضايا فساد، الأمر الذي دفعه لتغيير قوانين عدة تتعلق بصلاحيات المحكمة العليا، وهذا دفع جموعاً كثيرة ولأسابيع عدة، إلى إغلاق الشوارع، وانتشار التظاهرات أسبوعاً بعد آخر، ولكن ذلك لم يزده إلا إصراراً على البقاء، وجاءت أحداث 7 أكتوبر 2023 لتعطيه الفرصة، التي كان يحلم بها، والتي ستنقذه من السجن، حيث شكّل حكومة يمينية، هي الأخطر والأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، التي لم يتردد أعضاؤها، بصراحة فجة ومخيفة، في بيان مواقفهم الشديدة العدائية لغيرهم، وخصوصاً للفلسطينيين، والسعي لاستئصالهم من وجه الأرض، والقضاء المبرم عليهم بطريقة أو بأخرى.

يقول الراباي يعقوبوفيتش: التوراة تطالبنا بقتل أعدائنا. علينا محو «حماس»، وما يتعين على إسرائيل القيام به هو محو غزة من الوجود، وتدميرها كلياً، فهو منطق الحرب، ورغبة الإله برأيه.

ويقول راباي آخر: لا مكان في التوراة للرحمة على الإطلاق، لا على الأطفال ولا النساء، ولا أي شخص، الفناء للجميع.

ويقول راباي ثالث: الفكرة الأساسية تقول إن الله يطالبنا: لا ترحموا الأطفال، اقتلوهم جميعاً، لماذا؟ لأن لا فرق بينهم وبين آبائهم، فخلال عشر سنوات سيكبر هؤلاء الأطفال وسيهاجموننا.

ويقول راباي رابع: نحن لا نلعب وفق قواعدهم، بل وفق قواعد التوراة، فطوبى لمن يأخذ أطفالهم، ويهشم رؤوسهم على الصخر، مثلما فعلوا بنا، فهذا هو الانتقام النهائي.

ويقول راباي خامس: علينا قتل كل الرجال وكل النساء وكل الأطفال، حتى الرضع، ونقضي عليهم جميعاً، ولا نترك خلفنا أي ذكر لهم، أو لعائلاتهم، وأمهاتهم وأطفالهم، وحتى حيواناتهم، علينا حرقهم جميعاً، ومحوهم، فكل نبوءات أنبيائنا قالت ذلك.

* * *

ثم يأتي مفترٍ ومعقّدٌ، كرّس جهده للدفاع عن وجهة النظر الصهيونية، وبمقابل غالباً، يطالب الفلسطينيين للجنوح للسلم، وقبول السلام، وهي دعوة ظاهرها الخير لكن باطنها الشر، فهو يعلم جيداً أن الصهاينة لا يريدون السلام، ولم يقدموا يوماً دليلاً واحداً على رغبة إسرائيلية، ولو نصف صادقة، في التعايش مع الفلسطينيين!

يقول جون هاكي Hagee، القس الأمريكي الأشهر، صديق ترامب ونتانياهو الحميم: إن الله وعد اليهود بأراضٍ تمثّل نصف مساحة مصر، و«كل» أرض إسرائيل وسوريا والأردن ولبنان، والكويت، وثلاثة أرباع السعودية، وسيصبح هذا حقيقة، عندما يحكم المسيح العالم من القدس، وان ذلك سيحدث، عاجلاً أو آجلاً!


أحمد الصراف