فارس خشان

يقاوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كلّ الضغوط التي يمارسها كثيرون عليه، بمن فيهم نواب في حزبه، للموافقة على شنّ حرب واسعة على "حزب الله" في لبنان. "بيبي" لا يتزحزح عن موقفه هذا منذ عشرة أشهر، على الرغم من استطلاعات الرأي التي تصبّ في مصلحة حرب مماثلة، والمطالب المتصاعدة من القوى المؤثّرة في شمال إسرائيل، والخطط التي سبق أن وضعها أمامه بيني غانتس قبل أن يستقيل من "حكومة الحرب"، وتلك التي يطرحها، بين الحين والآخر، وزير الدفاع يوآف غالانت. الجميع يريدونه أن "يضغط على الزر"، وهو يمتنع!

سوف يأتي يوم، وقد لا يكون بالضرورة بعيداً، ويوافق نتنياهو على شنّ حرب ليس على "حزب الله" فحسب، بل على لبنان أيضاً. لكنّه، في الوقت الحالي، ليس بهذا الوارد على الإطلاق.

بالنسبة إليه، كانت الجبهة الشمالية ثانوية، وستبقى كذلك حتى إشعار آخر. الأولوية، في اعتقاده، يجب أن تبقى للفلسطينيين، سواء كانوا في غزة أو في الضفة الغربية. يهمّه فقط أن تبقى الجبهة الشمالية من دون قدرة على التأثير سلباً على المواجهة المفتوحة مع الفلسطينيين. وحتى تاريخه، لم يتخطَّ "حزب الله" في كل ما يقوم به "الخط الأحمر"، فهو لا يترك أثراً على المخططات المرسومة لغزة والضفة الغربية.

في تقييم نتنياهو، إدارة الصراع على الجبهة الشمالية "ممتاز". فالجيش الإسرائيلي، ومن دون أن يضطر إلى تجميد أي من مخططاته في غزة والضفة الغربية، أثبت قدرته ليس على احتواء "حزب الله" فحسب، بل على تكبيده خسائر نوعية أيضاً، سواء على مستوى القيادات والمقاتلين المحترفين، أو على مستوى البنية العسكرية التحتية، أو على مستوى الجهوزية في الخطين الأول والثاني من الحدود، أو على المستوى الديبلوماسي!

في المسألة اللبنانية، يبيع نتنياهو الإدارة الأميركية من "كيسها". هي لا تريد توسيع الحرب في اتجاه لبنان، وهو كذلك. مقابل الانضباط على الجبهة اللبنانية، يتقاضى نتنياهو أثماناً غالية عليه في غزة. ولا يقتصر ذلك "البيع" على إبقاء الحرب الحدودية تحت عتبة الحرب الإقليمية، بل يتخطّاه إلى أن تكون موافقته على النيل من أيّ هدف نوعي مشمولاً بالمصلحة الأميركية. وعليه، فإنّ صالح العاروري وفؤاد شكر اللذين اغتالتهما إسرائيل في حارة حريك مُدرجان على اللوائح الأميركية السوداء!

يعمل نتنياهو، بلا هوادة، على الاستفادة من الجبهة الشمالية. أشعلها "حزب الله" لمشاغلة الجيش الإسرائيلي عن غزة، ويريدها رئيس الحكومة الإسرائيلية أن تُشغل الإدارة الأميركية عن مخططاته هو في غزة. لذلك، كلما كانت الضغوط الأميركية تشتدّ عليه في موضوع الإقليم الفلسطيني، رفع "الحماوة" مع لبنان وأوصلها إلى حافة "عتبة الحرب".

ولا يعتقد نتنياهو أنّه، في المرحلة الحالية من الحرب، يجب أن يخصّص موارد إضافية للجبهة اللبنانية، طالما بقيت منضبطة وقابلة للاحتواء. فهي، وهذا ما يظنّ الجميع، أنّ زعيم "حماس" يحيى السنوار ينشده، سوف تُنهي التركيز على غزة والضفة الغربية قبل "تصليب المكتسبات"، وستسمح للتنظيمات الفلسطينية بالانقضاض على "الخاصرة الإسرائيلية الرخوة".

وفي حساب المكاسب، لا يرى نتنياهو أيّ جدوى نوعية للكلفة المقدّرة لتوسيع الحرب على الجبهة الشمالية في هذه المرحلة، ذلك أن إسرائيل لن تحصل على اتفاق أفضل ممّا هو وارد في القرار 1701. بالتالي، عليها أن تضغط عسكريّاً وديبلوماسيّاً من أجل تنفيذٍ يناسبها لهذا القرار الذي أنتجته "حرب لبنان الثانية" في صيف عام 2006. وفي ذلك، هو واثق بالتطورات "الفكرية" لدى المجتمع الدولي الذي لم يعد قادراً على "تضييع الشنكاش" لجهة تسلّح "حزب الله" وارتباطه العضوي بإيران وأهدافه المعلنة ضدّ وجود دولة إسرائيل.

وفي ذهن نتنياهو، أن "التعامل النوعي" مع "حزب الله" يجب أن يترافق مع وضوح خطة التعامل مع إيران نفسها!

وحتى تلك الساعة، وفي حال عدم حصول "أمر جلل" لا يمكن السيطرة عليه، فهو يفضّل إبقاء الحرب على الجبهة اللبنانية تحت عتبة الحرب الشاملة، لأنّها، في ظنّه، لن تكون "مشكلة مستعصية" متى تمّ إنهاء الخطر الوجودي في كل من غزة والضفة الغربية!