عثمان بن حمد أباالخيل

الحياة جميلة بكل ما فيها من جمال الإنسان والطبيعة، الحياة جميلة عندما تحس بمشاعر الآخرين والحياة جميلة عندما تعيش بإحساس مرهف مُفعم بالحنان تتبادله مع الآخرين. لكن أجمل ما في الحياة مشاعر وأحاسيس وعواطف أم، الأم ينبوع المحبة والرحمة، الأم النهر الذي لا ينضب ماؤه. الأم لا تكل ولا تمل من كثر الدعاء على أبنائها ليلاً ونهاراً في صلاتها وسكناتها وعباراتها وفي كل أوقاتها بالدعاء بالتوفيق والنجاح والستر. الأم حبها لا يشِيخ. بينما حب فلذات الكبد يشيخ في أحيان كثيرة مع تقلّبات الحياة. الدنيا لم تتغيَّر، تعامل فلذات الكبد مع أمهاتهم بدأ يتغيّر للأسف ليس للأحسن، بل إلى الأسوأ لماذا؟ هذا التغيّر بكل مقاييسه وأبعاده ليس عذراً لعقوق الأم فالجنة تحت أقدام الأمهات. إن التغيّرات والفروقات الاجتماعية والعالم أصبح قرية صغيرة من حيث وسائل الاتصال بكل أشكالها وألوانها ومصادرها جميعها كان لها أثر سلبي في التعامل مع الآخرين خصوصاً الأم وهذا عكس المتوقع من هذه الطفرة الحضارية.

الأم حين تفيض عيناها بالدموع فهي تشعر بحرقة ما في داخلها من ألم وحسرة على فلذات كبدها الذين لم يعرفوا معنى الأمومة. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللَّه، من أحق الناس بحسن صحابتي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أمك‏)‏، قال‏:‏ ثم من؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ثم أمك)‏، قال‏:‏ ثم من‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ثم أمك)‏، قال‏:‏ ثم من‏؟‏ قال:‏ ‏(‏ثم أبوك).‏‏

كلمة (أف) أصبحت كلمة مألوفة عند شريحة من فلذات الكبد فلا يعبهون ولا يخافون ولا يخجلون حين يسمعونها لأمهاتهم أين الأدب واللين والعطف هل ماتت مشاعرهم أو تبلدت. قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. الأم أصبحت تعاني من تصرفات فلذات كبدها داخل البيت، فهم موجودون بأجسامهم أما عقولهم وأفكارهم فمشغولة خارج البيت. كثير من الأمهات يتمنين الجلوس مع أبنائهن وتناول وجبة غداء أو عشاء، فالكثير منهم يُفضِّلون تناولها مع زملائهم لماذا؟ هل أصبح على الأم أن تتمنى ما يفرح قلبها، أصبح صعب المنال أم الأبناء فقدوا معنى الأمومة.

رفع الصوت على الأم أصبح أمراً مألوفاً عند بعض الأبناء والبنات ألا يعلمون أن هذا عقوق قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. لا ترفع صوتك على أمك، واعلم أنك إن رفعت صوتك على أمك سيأتي اليوم الذي يرفع ابنك صوته عليك. وفي المقابل والحمد لله هناك فلذات كبد يعرفون كيف التصرف الحسن الطيب مع أمهاتهم من منطلق شرعي وإنساني واجتماعي وهذه الشريحة من الأبناء تحاول غرس هذا المفهوم في نفوس أبنائهم ومن يتعاملون معهم. الأم لا تيأس من عودة أبنائها إلى المعاملة الحسنة، فالغرس طيِّب والثمر أطيب لكن تقلّبات اجتماعيه أخذت الأبناء عن المسار الصحيح، ولا بد أن يصح الصحيح وتعود الطيور إلى حضن الأمومة الدافئ، الأم أرض خصبة معطاءة رغم جراحها وآلامها فالجميع يسعد بعطائها وفضلها وحنانها، فهل نرد بما ينكّد عليها؟ فرفقاً يا من لا يبالي ولا يقيم وزناً لأمه.