سهوب بغدادي

تكثُر الحكم والاقتباسات فيما يتعلق بالسكوت وقلة الكلام، ولاريب في أن للسكوت دلالات ومواضع عديدة تختلف بحسب الأشخاص وخلفيتهم الثقافية والاجتماعية وما إلى ذلك، وهنا أقدم لكم أبرز مواضع السكوت، عندما يضيع الكلام من شدة الجمال والبهاء والحسن، فقيل الصمت في حرم الجمال جمالُ، وهو دلالة على الأدب والاحترام، أو الخجل كطالب العلم الذي يؤثر السكوت على الإجابة في حضرة معلمه، كما يبرز السكوت كطريقة للمداراة والحفاظ على سلامة الخاطر، أو المجاملة، وفي أسوأ الأحوال يدل وينم عن الضعف، فيما يحمل السكوت في طياته معاني سلبية دفينة، لا تلم بالشخص وتتمكن منه سوى بعد صراعات داخلية مديدة عديدة، كالخذلان من شخص، فيُقدم الصمت على الكلام كناية عن الصدمة، أيضًا عند نفاد المبررات وفقدان الثقة، والاستسلام والتنازل، والانسحاب «بصمت» واللامبالاة، وضياع الشغف وانقضاء الرجاء والأمل، والملل، والتجاهل، كذلك يدخل في باب التلاعب والحيل النفسية السلبية مثل الصمت العقابي.

ويُعرف السكوت كممارسة وثقافة وبروتوكول في الحزن والأسى - حمانا الله وإياكم - كما نرى في دقيقة الصمت والحداد، وبالتأكيد في حال الغضب والاحتقان والحنق، فالسكوت في هذه المواضع بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، في حين يصمت البعض ترفعًا، والبعض الآخر في صمته رداء للقوة والهيبة، بلا شك الصمت أنيق في بعض الحالات، ويعكس الهيبة، فكلمة واحدة من الشخص القدير كفيلة بتغيير مجرى الكثير.

في سياق متصل، يكون السكوت سمة للعالم والحكيم، إذ يعرف تأثير دانينغ - كروجر بالانحياز المعرفي الذي يشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم وذواتهم، بسبب عدم قدرتهم على التنافس والمعرفة والتفريق بين الشخص الكفء من عدمه ويعانون من وهم التفوق، مبالغين بذلك بقدراتهم المعرفية بشكل يفوق ماهي عليه على أرض الواقع، وينتج التحيز المعرفي لوهم التفوق من انعدام قدرة هؤلاء الأشخاص على إدراك الإدراك، فبدون إدراك الذات لا يُمكن لهؤلاء الأشخاص أن يقيموا ذواتهم بشكل عادل»، إذ نرى أن قليل المعرفة يحاول جاهدًا أن يثبت وجهة نظره بكل سبيل متاح، وأن قليل الكلام يستشار وتشد إليه الرحال للنهل من حكمته الواسعة، وقيل إن الإيجاز أصعب من الإطناب «الإسهاب»، وأن الأفعال أبلغ من القول، فالصمت فعل يغيب عنه القول، إن السكوت يدل كل شيء، ونادرًا ما يكون علامةً للرضا، فالرضا ليس مظهرًا خارجيًا ولا يتأتى بهذه الصورة، بل هو نتيجة لسبب، ونحسب أن تكون المقولة المتعارف عليها نتجت عن وضع معين أو حالة فردية ملائمة لما قيل، فهناك صمت عن ألف كلمة، وهناك صمت حافظ للود أو لما تبقى منه، ونجد سكوت الصبر، وسكوتٌ آخر يدل على رفيع الأصل، والمحصلة النهائية أن السكوت لامتناهي المعاني والدلالات، ويبقى التفسير في بطن الصامت.

وعن الفرق بين الصمت والسكوت فكلاهما يحمل النتيجة ذاتها ألا وهي انتفاء الكلام، قيل إن الصمت منبعه القوة والحكمة.

أما السكوت فدليل على الخوف والصراع الذاتي، في كلتا الحالتين نعلم أن خير الكلام ما قل ودل وخير ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».

انتهى الكلام..