محمد ناصر العطوان

في ضاحية من ضواحي الكويت، كانت الساعة تُشير إلى الثانية بعد الظهر بعد أن أنهى الموجه الفني عمله في أول يوم من الأسبوع الأول، شوارع المدينة بمداخلها وخرساناتها الأسمنتية تشبه حيرته التي لا تنتهي، حيرة تزداد مع كل خطوة يخطوها، فلا وصف وظيفياً له، ولا هيكل تنظيمياً واضحاً يضمه، ولا طبيعة عمل تمت مراعاتها في بصمة حضوره وانصرافه وتواجده. كان يشعر أن كل شيء حوله مبهم، كأنه يقف على حافة سور بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية في الثمانينيات.

ورغم أنه كان يحمل في قلبه شغفاً كبيراً، إلا أن الحذر كان يسيطر عليه. كان يرى أن نظام التعليم قد أصابه اليأس، ولم يعد هناك أمل في إصلاحه. كل يوم يشاهد الناس يتهافتون على الدنيا، متناسين ما يأتي في الحشر والنشر بعد القبر. المعلمون يدرسون المعلومات والشرائع ولكن لا يغرسون -بالضرورة- العقيدة والمنهجية في نفوس الطلاب، ورجال السياسة يتنافسون على المناصب والمكاسب والألقاب، والسياحة والرياضة في وادي غير ذي زرع.

في هذا المشهد الفوضوي، كان يفكر في المفكرين الذين زهدوا في التفكير، والدعاة الذين تركوا الدعوة ونزلوا من الجبل لجمع الغنائم لكي يبحثوا عن البرامج والمشاهدات واللقاءات واللجان. بيئة العمل تزداد تعقيداً، والبيئة المحيطة بالمنظومة تزيد من حيرته. كان يشعر أن الكتب والمراسلات تطوف مؤسسات الوطن كله مرات عدة في اليوم والليلة دون أن تقول شيئاً.

وفي وسط هذا كله، كان يجد نفسه محاطاً بعشرين طباخاً لا يجيدون الطبخ، وعشرين من السقاة لا يرون العطش، وثلاثين من الغلمان، وأربعة حلاقين، وحشد كبير من الكتبة والخدم والنساء حول العربة، ليكونوا المسؤولين أو السائلين عن مسيرها. لم يكن هناك فرق طالما أن هناك جموعاً من المروضين والمكلبين ومدربي الجوارح يراقبون كل شيء من بعيد.

كانت حيرته تتعمّق كلما فكّر في هذا الواقع المعقد، ولكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن الأمل لايزال موجوداً، وأن التغيير يبدأ بخطوة، حتى وإن كانت صغيرة. فربما، فقط ربما، يستطيع أن يكون هو الشرارة التي تشعل فتيل التغيير.

عندما أطلقت الإشارة الضوئية لونها الأخضر، اتخذ قراراً بأن يبدأ التغيير من بيته. عندما وصل كتب على باب الثلاجة ما يلي:

«بناء على القرار رقم 294 المتخذ في الاجتماع رقم أ2ب والمنعقد بتاريخ 6/4/2024 والقاضي بتعديل اللوائح الداخلية والأنظمة المعمول بها في المرئي والمسموع داخل المنزل، وبناءً على توصيات اللجنة العليا المصحوبة بتقرير رقم 464، تقرّر ما يلي:

- إعادة ترتيب الأولويات بما يخدم مصلحة الأسرة ويُعزّز من قيم التعاون والتفاهم.

- تحديد أوقات لمشاهدة التلفاز واستخدام الأجهزة الإلكترونية، بحيث تكون متوازنة مع الأنشطة التعليمية والثقافية.

- تعزيز الحوار والنقاش داخل المنزل حول المواضيع المهمة، وتشجيع التفكير النقدي والبناء.

- إلغاء البرامج التافهة والتركيز على المحتوى الذي يُضيف قيمة معرفية وتعليمية.

- تعزيز القيم الأخلاقية والدينية في كل ما يُعرض داخل المنزل، ليكون بذلك نموذجاً يُحتذى به...لأن توريث الأدب أفضل من توريث المال، وأن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر».

moh1alatwan@