خيرالله خيرالله

ماذا إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وماذا إذا استطاعت كمالا هاريس إلحاق هزيمة به في الخامس من نوفمبر المقبل؟ ما البرنامج السياسي لترامب الذي ليس مستبعداً في ضوء تجربته الأولى في البيت الأبيض أن يكون منحازاً انحيازاً كاملاً لإسرائيل، بل إلى اليمين المتطرف فيها. إنحاز إلى درجة أنه اعترف بـ«القدس الموحدة»عاصمة للدولة العبرية متجاهلاً الوجود المسيحي والإسلامي في المدينة المقدسة لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين، أي لدى الديانات التوحيدية الثلاث.

ليست كمالا هاريس في وارد الاعتراض على ما تقوم به إسرائيل وتمارسه في غزّة والضفة الغربية. كان البيان الذي صدر عنها حديثاً، بصفة كونها نائبة الرئيس، في غاية الوضوح. صدر البيان مباشرة بعد قتل «حماس» ستة أسرى إسرائيليين لديها، بينهم شاب يحمل الجنسيتين الإسرائيليّة والأميركيّة.

بيان هاريس يفتقد أي توازن سياسي من أي نوع كان. يعكس ما قامت به غياب الدور الأميركي الشجاع تجاه ما يدور في الشرق الوسط. مثل هذا الغياب لا ينطبق على مرشحة الحزب الديمقراطي، بل يشمل أيضاً المرشح الجمهوري غير المستعد لأن يأخذ في الاعتبار أنّ إسرائيل تمارس إرهاب الدولة، عبر إصرارها على احتلال الضفّة الغربية والقدس وهي ليست أقلّ سوءاً من «حماس» وما شاكلها.

لم تتردّد هاريس في وصف «حماس» بأنّها منظمة «إرهابيّة» تماشياً مع السياسة الأميركية المعتمدة. لكنّها ذهبت بعيداً في تجاهل السياسة الوحشيّة التي تمارسها حكومة بنيامين نتنياهو في غزّة. تجاهلت الإرهاب الإسرائيلي ردّاً على حماس. انتقلت حكومة «بيبي» من ممارسة هذه الوحشية من غزّة إلى الضفّة الغربيّة التي باتت بمثابة برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، علماً أن ذلك ما تسعى إليه جاهدة «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران. لم تتوقف إيران يوماً عن العمل على تفجير الوضع في الضفّة الغربيّة. عملت على ذلك من منطلق أنّها الممسكة بالورقة الفلسطينيّة. يصبّ مثل هذا الهدف الإيراني في مخططات تتجاوز الضفّة وتلتقي مع ما يضمره اليمين الإسرائيلي من عداء للمملكة الأردنيّة الهاشمية التي تتمسّك بقوة بضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلّة.

بوجود ترامب في البيت الأبيض أو بوجود هاريس فيه، سيفتقد العالم إلى الدور القيادي لأميركا الذي يضع حداً للمشروع التوسّعي الإيراني من جهة ويقول لإسرائيل من جهة أخرى إنّه ليس في استطاعتها ممارسة سياسة الاحتلال إلى ما لا نهاية. لا يمكن إدانة تصرفات «حماس» وتجاهل ما تقوم به إسرائيل، أقلّه من زاوية أخلاقيّة تأخذ في الاعتبار أمرين. الأمر الأوّل أن إسرائيل دمرت غزّة، الثاني وجود إصرار على بقاء الاحتلال في الضفّة الغربيّة المحتلة. ثمة تجاهل أميركي كامل لوجود مثل هذا الاحتلال.

الأكيد أنّ الفلسطينيين يتحملون جزءاً من المسؤولية التي حلت بهم، خصوصاً في ظلّ وجود سلطة وطنيّة عاجزة اكتفت بالتفرّج على الانسحاب الإسرائيلي من غزّة في مثل هذه الأيام، قبل تسعة عشر عاماً، ثم استسلمت لـ«حماس» بعد سنتين ولـ«الإمارة الإسلاميّة» التي أقامتها في القطاع.

تكرّس غياب الدور القيادي الأميركي في أعقاب هجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» انطلاقاً من غزّة من دون تفكير بما سيعني ذلك بالنسبة إلى إسرائيل ومن دون خريطة سياسية لما بعد الهجوم الذي فاجأ إسرائيل وكشف نقاط ضعفها.

كان في استطاعة أميركا ملء الفراغ الذي تلا «طوفان الأقصى» ومنع بنيامين نتنياهو من تنفيذ سياسة لا هدف لها سوى تحويل غزّة إلى أرض طاردة لأهلها والارتداد بعد ذلك في اتجاه الضفّة الغربيّة. مثل هذه السياسة لا تعني سوى زرع البذور لمزيد من حال اللاستقرار في المنطقة وهي حال في صلب المشروع التوسّعي الإيراني.

على هامش حرب غزّة، شنت إيران حروباً خاصة بها، من جنوب لبنان واليمن والعراق وسورية، بعدما اعتبرت أنّها اللاعب الأساسي في المنطقة والقوّة المهيمنة فيها... وأن على أميركا الاعتراف بذلك والقبول به من دون تردّد.

ما نشهده من جنون إسرائيلي واندفاع إيراني في اتجاه مزيد من الحروب في المنطقة نتيجة طبيعية للغياب الدور القيادي الأميركي، وهو غياب ليس ما يشير أن في استطاعة كمالا هاريس ودونالد ترامب ملئه بأي شكل من الأشكال للأسف الشديد.

إنّه الدور القيادي الأميركي المفقود لا أكثر.