محمد سليمان العنقري

منذ الأزمة المالية العالمية لم تتحسّن صحة الاقتصاد العالمي فكلما تجاوز كارثة لحقت به أكبر منها والمقصود الإقفالات الكبرى بسبب جائحة كورونا والتي ضاعفت من مشاكل الاقتصاد وسلاسل الإمداد وارتفعت الأسعار معها بشكل جنوني واضطرت البنوك المركزية بالبداية لإقرار سياسات مرنة داعمة لاستعادة النمو الاقتصادي واستيعاب التداعيات السلبية التي خلفتها تلك الإقفالات إلا أن الفائدة الصفرية وحجم الأموال الضخمة الرخيصة التكلفة التي ضخت بالأسواق أدت لوقوع تضخم بشكل سريع لم يتعد عامين بعد نشوب الأزمة لتعود البنوك نفسها لاتخاذ سياسات متشددة بهدف لجم التضخم لكنها بدأت تظهر إشكالية أخرى بضعف النمو الاقتصادي المستقبلي والمخاوف من ركود ببعض الدول الكبرى.

ومن الأزمات الجديدة التي بدأت منذ عامين تقريباً اندلاع حروب لها تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي كالحرب الروسية على أوكرانيا وأيضاً هجوم إسرائيل على قطاع غزة وحالياً على لبنان فهذه الأحداث تعتبر خطيرة إذا ما اتسعت دائرتها وتبعاتها بالغة السلبية على الاقتصاد العالمي، فهناك مخاوف من عودة التضخم بسببها إذا ما ارتفعت أسعار السلع والنقل وتعطّلت سلاسل الإمداد إضافة إلى احتمال أن تتوسع بشكل أكبر فكل ذلك يعتبر تحديات ضخمة تواجه العالم لكن أكثر ما يمكن اعتباره خطراً ضخماً حالياً هو انفجار قنبلة الديون العالمية التي وصلت إلى 312 تريليون دولار أي ثلاثة أضعاف الناتج الإجمالي العالمي، فنصيب كل فرد من هذه الديون من إجمالي عدد سكان العالم البالغ 8 مليارات نسمة حوالي 39 ألف دولار، فإذا تفاقمت الأزمات الجيوسياسية الحالية إضافة لما يعتري الاقتصادات الكبرى من ضعف بالنمو ووصل العالم لحافة الركود وبدأ التخلف عن السداد يزداد بقطاع الأعمال أو الأفراد الذين سيصبحون عاطلون عن العمل مع خفض نفقات الجهات التي يعملون بها أو إفلاسها إضافة إلى توقف الدول النامية عن سداد ديونها فإن ذلك قد ينذر بأزمة مالية عالمية كبرى ليس من السهل تجاوزها.

فرغم أن مجموعة العشرين ومنذ سنوات تحذّر من أزمة قد تحدث بسبب الحجم الضخم للدين العالمي والذي زاد بقرابة 50 % في ظرف ستة أعوام تقريباً إلا أنه لم يتوقف عن النمو السريع وخصوصاً بالدول الكبرى، فأميركا أكبر اقتصاد عالمي يبلغ حجم دينها السيادي فقط 35 تريليون دولار أي حوالي 11 بالمائة من إجمالي الدين العالمي وبإضافة ديون قطاع الأعمال والأفراد فإن النسبة ترتفع لقربة 30 بالمائة وتليها الصين وأيضاً الاتحاد الأوروبي واليابان وهي أكبر اقتصادات العالم فحجم الديون السيادية بالعالم وصل إلى 91.7 تريليون دولار وإذا ما اهتز النظام المالي بالدول الكبرى التي تعد صاحبة النصيب الأكبر من هذه الديون فإن العالم سيدفع الثمن وسيكون التأثير واسع النطاق ولذلك يجب النظر بجدية إلى أن ارتفاع الذهب الذي وصل لأرقام غير مسبوقة قرابة 2700 دولار للأونصة لا يرتبط فقط بخفض الفائدة التي تقف عند 5 بالمائة حالياً على الدولار والمتوقع انخفاض قوته فعندما كانت الفائدة شبه صفرية والدولار رخيص لم يصل الذهب لهذه المستويات، فهناك ربط بالتطورات الجيوسياسية والمخاوف من تداعياتها الاقتصادية واحتمالات لمزيد من ضعف النمو الاقتصادي وبالتالي زيادة التعثّر لدى المقترضين وهو ما قد يؤدي لأزمة مالية.

التضخم يعالج نفسه مع الزمن بزيادة الإنتاج أو التشديد بالسياسات المالية والنقدية لكن العالم أمام تحديات اقتصادية لا يبدو حلها بالأفق القريب وارد إذا لم تتوقف الحروب وتقوم الاقتصادات الكبرى بخطط اقتصادية متوازنة. لا تسمح بأي تضخم وتحقق معدلات نمو متوازنة والأهم حالياً معالجة ملف الديون وفق خطة زمنية وإستراتيجية ثابتة وإلا فإن العالم موعود بتحديات جديدة ستظهر بين فترة وأخرى بسبب حجم الدين العالمي الضخم جداً والذي لا يتوقف عن النمو.