ذكرت النائبة السابقة، جنان بوشهري، التي سبق ودفعتها قوى نيابية محسوبة على شركات مقاولات، للاستقالة من منصبها كوزيرة للاشغال، بعد أن كشفت تلاعبهم وفسادهم، إبان كارثة أمطار 2017، في تغريدة لها، في مجلس أمة 2023 أنها تقدمت بسؤال لوزيرة الاشغال حينها، بعد أن قرأت تصريحها بأنها ستطرح ممارسات إصلاح الطرق على الشركات الأجنبية، من دون وكيل محلي!! ثم تبين لاحقا أن كل الشركات التي تم اختيارها لها مشاريع طرق، وتعمل في الكويت منذ سنوات، ولها وكلاء محليون، فدفعها ذلك لتوجيه سؤال برلماني تطلب فيه من الوزيرة بوقماز أسماء وكلاء الشركات، لكن لم تصلها الإجابة، حتى بعد شهرين، وتم حل المجلس، ليموت السؤال ويموت مشروع بوقماز معه.

عادت النائبة السابقة جنان قبل أيام وغردت قائلة ان عقود إصلاح الطرق ستتم ترسيتها قريبا بالممارسة على شركات محلية. وأن بيِن تلك الشركات مَن أدينت بكارثة الأمطار عام 2017 وتم حرمانها من دخول المناقصات، والبعض منها رُفع الإيقاف عنها، وتم إبراء ذمتها، بإجراءات شابها الغموض. وتمنت جنان على وزيرة الأشغال، نورة المشعان، الحرص على عدم إعطاء أية أولوية لمعيار «السعر الأقل»، خاصة إن كانت الشركة لا تتمتع بسجل أعمال سابق جيد.

بدا وكأن بين السيدتين نوعا من التليباثي، أو «التخاطر»، أي تفكير شخصين بنفس الموضوع، دون اتصال شفهي أو لقاء فعلي. فقد تبين أن وزارة الأشغال قامت، كما بلغني، بتقديم تصوراتها عن سابق سيرة الشركات الفائزة بممارسات الطرق للجنة المناقصات، مع توصيات باستبعاد بعضها. كما طلبت عدم إعطاء الأولوية لأقل الأسعار على حساب باقي العوامل؛ لما شاب تاريخ بعضها من لغط تعلق بسوء التنفيذ، ونقص الخبرة، وحتى عدم علاقة بعضها بأعمال الطرق.

فوجئت وزارة الأشغال بأن قرار لجنة المناقصات جاء مخالفا لتوصياتها، وأن الترسية تمت على أساس أقل الأسعار، دون الالتفات لرأيها الفني، فقد فازت جميع الشركات بعقود تبلغ قيمتها 375 مليون دينار. وكان بإمكان اللجنة زيادة هذا المبلغ بنسبة بسيطة جدا لا تتجاوز المليون بكثير، وترسية العقد على الأعلى سعرا بقليل، بعد استبعاد الشركات غير المؤهلة!

نرى، مع الكثيرين غيرنا، أنه كان لزاما على لجنة المناقصات إعطاء الرأي القانوني والفني لوزارة الأشغال أهمية أكبر، خاصة أن الوزارة مجبرة على تزويد المناقصات بأسماء الشركات المتعثرة، أو التي سببت ضرراً للمال العام، ولها في هذه الحالات الحق في حرمان الفائز من المشاركة في الممارسة أو المناقصة. وربما عليها الآن مسؤولية تأخير الترسية النهائية لبضعة أيام، ومراجعة الموضوع، فهذا أفضل من أن نرمي أنفسنا في أحضان نفس الشركات التي كانت السبب وراء خراب طرقنا، التي قبضت الملايين على تنفيذها، لتأتي اليوم وتطالب بملايين غيرها لإصلاح ما سبق أن خربته أو ارتكبته من جرم بحقنا وحق المال العام!

لا شك أن لدينا جميعا مشاعر مختلطة من موضوع الطرق. فمن جهة نود التخلص من هذه المشكلة أو المأساة التي أتعبتنا وسببت لنا خسائر جمة وقلقا وغضبا وتأخيرا وألما.

ومن جهة أخرى، نرى أن من الحكمة التروي في ترسية وتوقيع العقود، خاصة بعد انكشاف أمور خطيرة بالفعل تتعلق بسيرة بعض الشركات، وبالتالي يتطلب الأمر إعطاء الشكوك حقها من الأهمية.

في جميع الأحوال، نتمنى أن يكون لوزارة الأشغال دور مختلف هذه المرة في ما يتعلق بنوعية الإشراف على أعمال الشركات، فالرقابة المحترفة والأمينة، هي السد المنيع أمام الفساد. لكن السؤال: هل تمتلك الوزارة وهيئة الطرق هذه النوعية، أو ما يكفي منها للإشراف على كل هذه الشركات، خاصة الـ.... منها؟

كما نتمنى على السيد عصام المرزوق، بكل ما عرف عنه من إخلاص وأمانة، توضيح الأمور، ووقف كل هذا اللغط حول الحكمة من إصرار اللجنة على الترسية على أقل الأسعار، وتجاهل توصيات وزارة الأشغال، إن صح ذلك.


أحمد الصراف