مع إلغاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة وزير دفاعه يوآف غالانت، التي كانت مقررة إلى واشنطن، الأربعاء الماضي، تكون العلاقات بين إسرائيل وواشنطن قد بلغت درجة أعلى من التوتر، الذي ليس بخافٍ أنه كان سائداً بين الجانبين، على الرغم من حرص البيت الأبيض على التأكيد بأن هذه العلاقات في أفضل حالاتها على الإطلاق. الواقع، يقول غير ذلك. والخلاف الناشب بين الجانبين الآن يتمحور حول مروحة الأهداف التي اختارت إسرائيل ضربها في إيران، رداً على القصف الصاروخي الإيراني لإسرائيل في الأول من تشرين الأول (أكتوبر)، رداً على اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية. منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة قبل أكثر من عام، أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن 80 مكالمة هاتفية مع غالانت، الذي بات يعتبر "وديعة" أميركية في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، والذي يستند إلى أحزاب قومية ودينية هي الأكثر تطرفاً. كان يفترض بغالانت، لو سمح له نتنياهو بالذهاب إلى واشنطن، أن يصار إلى التداول بمروحة الأهداف التي اختارت إسرائيل قصفها في إيران. وصار معلوماً أن إدارة الرئيس جو بايدن تؤيد حق إسرائيل في الرد، لكنها تفضل رداً لا يتسبّب برد إيراني آخر، ولا بالتدحرج إلى حرب إقليمية واسعة ستجد أميركا نفسها في خضمها. المحادثة الهاتفية بين بايدن ونتنياهو الأربعاء هي الأولى بينهما منذ 21 آب (أغسطس). وفي الذكرى السنوية الأولى لهجوم "حماس" على غلاف غزة، اختار الرئيس الأميركي الاتصال بنظيره الإسرائيلي إسحق هرتزوغ لا بنتنياهو. ردّ الأخير بإلغاء زيارة غالانت، واضطر البيت الأبيض مجدداً إلى الوقوف عند خاطر نتنياهو وإجراء مكالمة بين بايدن ونتنياهو تمحورت حول لبنان وإيران، وانتهت إلى موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي على أن يزور غالانت واشنطن الثلاثاء المقبل. الأمر اللافت هنا هو أن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، بادر إلى الاتصال بنتنياهو قبيل ساعات فقط من اتصال البيت الأبيض، و"هنّأه" على الضربات التي وجهها إلى "حزب الله" في لبنان. تكشف صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن أنه، عندما اتصل غالانت بأوستن في 27 أيلول (سبتمبر) الماضي ليبلغه بأن المقاتلات الإسرائيلية في طريقها إلى اغتيال نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت، سأل وزير الدفاع الأميركي الوزيرَ الإسرائيلي: "هل تريدون أن تكونوا وحدكم في العالم؟". الاغتيال أجهض مسعى أميركياً-فرنسياً بدعمٍ من عشر دول للتوصل إلى وقف موقت للنار في جنوبي لبنان لمدة 21 يوماً، على أن تتخلل هذه الفترة مساعٍ ديبلوماسية ترمي إلى صوغ ترتيبات على جانبي الحدود. واتخذ نتنياهو القرار من غرفة في الفندق الذي كان ينزل فيه في نيويورك بعد ساعات من إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أكد فيها "سنواصل ضرب حزب الله". ليست المرة الأولى التي ينسف فيها نتنياهو الجهود الأميركية للتوصل إلى وقف للنار. حدث هذا عندما اغتالت إسرائيل هنية في طهران في 31 تموز (يوليو)، في أوج جولة من المفاوضات، التي كانت تقودها أميركا لإبرام اتفاق حول غزة، يسهّل اتفاقاً على الحدود مع لبنان، وخفض التوترات الإقليمية تالياً. حدث الأمر نفسه، عندما كان المفاوضون على وشك التوصل إلى هدنة في أوائل أيار (مايو)، فقرر نتناهو اجتياح رفح، وكسر مناشدة من بايدن بتجنب الدخول إلى المدينة التي كان يوجد فيها 1.7 مليون نازح. لن يكون من قبيل المبالغة القول إن بايدن لم يحصل من نتانياهو سوى على الخذلان منذ بداية الحرب، على الرغم من كل الدعم المطلق الذي قدّمه الرئيس الأميركي لإسرائيل. والآن، يخشى الديموقراطيون أن يجر نتنياهو أميركا إلى حروبه التي لا تنتهي في الشرق الأوسط. وهم يواجهون معضلة سواء انساقوا خلف إسرائيل، أم مارسوا الضغط عليها كي لا تضرب إيران إلى الحد الذي يفجّر حرباً أوسع وينشر الفوضى في المنطقة، ويعيد ترامب إلى البيت الأبيض.