هل هي نهاية الميليشيات في الشرق الاوسط؟ يطرح السؤال بشدة على خلفية التطورات المتلاحقة في المنطقة والتداعيات التي أفرزتها الحرب خصوصاً على حركة حماس في غزة و"حزب الله" في لبنان. صحيح أن مسألة الميليشيات مطروحة مذ بدأت من طالبان والقاعدة في أفغانستان، برعاية أميركية، قبل أن تنتشر في ربوع الأرض مدعومة بأموال وخطط وإدارة من عناصر الاستخبارات لتستخدم ضد الاتحاد السوفياتي، ثم ضد أنظمة الحكم في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وغيرها، لكن يبدو أن المنطقة أصبحت غير قادرة على استيعاب الميليشيات، وأن الولايات المتحدة وجدت أن مصالحها صارت في خطر بعد أفغانستان والأخوان وحزب الله والحوثي والحشد الشعبي، وتحاول الآن أن تبني عالماً أكثر هدوءاً بعدما كانت عنصراً أساسياً في تأسيس وإدارة الميليشيات. يقولون إن "حماس" فكرة لا يمكن أن تنتهي بسهولة، لكن يبدو أن النية تتجه إلى القضاء على الميليشيات والأجنحة العسكرية للتنظيمات المتأسلمة بالقوة، على أن تترك مسألة مواجهة الأفكار إلى مرحلة أخرى، فماذا عن حزب الله؟ الحزب قوة أساسية، رسخ وجوده داخل البيئة الشيعية في لبنان بعدما استخدم كل الوسائل لتحقيق ذلك، وهذا لا يمكن تجاوزه بسهولة، إذ إن له قواعده الدينية والسياسية والاجتماعية، وبالتالي، ووفقاً للأفكار الأميركية، لا بد أن ينتقل الحزب بعد المواجهة العسكرية إلى الدائرة السياسية. ويبدو أن التنبه إلى أن الغرب لن يقبل باستمرار الميليشيات والأذرع، بالصورة التي دامت لعقود، حدث قبل طوفان الأقصى، حتى إن محللين يعتبرون أن التغيير جاء من إيران التي حاولت أن تنفتح وتندمج مع الإقليم (الاتفاق مع السعودية والتماهي مع مصر) واعتماد خطاب سياسي يراعي طمأنة الدول التي ترفض التعاطي مع التنظيمات الميليشيوية أو التعامل معها، خصوصاً أن التعامل طويلاً مع التنظيمات والجماعات المتأسلمة يلقي بظلاله على السلوك الذي تمارسه هذه الدولة أو تلك، وكذلك سياساتها ومواقفها، فتصبح الفوضى سائدة والعشوائية غالبة، ناهيك عن غياب الأعراف والحكمة والذوق في التعامل والممارسات. بعد جرائم الأخوان في مصر وجموح "حماس" في غزة وسطوة "حزب الله" في لبنان، مؤكد أن دولاً عربية كانت تتمنى أن تأتي نهاية الميليشيات دون حرب إسرائيلية على العرب في غزة ولبنان أو خطط أميركية قد تتبدل في مراحل أخرى مستقبلاً، بعدما سعت تلك الميليشيات إلى العمل على هدم النظام العربي، والعبث بمقدرات الشعوب العربية، والتنقل من موقف الى آخر للوصول إلى تصرفات مؤذية للدول العربية، وسواء كان الدور الذي تقوم به الدول الداعمة للميليشيات خيارها السياسي، أو فرض عليها القيام به كأداة تحركها قوى أخرى، لم يكن متصوراً أن يصل الأمر الى حد صارت دول بعينها منبوذة لا تجد مناصراً أو داعماً أو مؤيداً إلا إذا كان أخوانياً أو إرهابياً أو عميلاً ينتظر دائماً ثمناً لموقفه! ما الذي يجبر حكام طهران على القبول بأداء هذا الدور الذي حوّل بلدهم الى آلة تحرك ناشري الفتن ومحركي الفوضى؟ أي ثمن تحصل عليه إيران مع كل محفل أو مؤتمر أو اجتماع دولي يبحث في مشاكل المنطقة، ليسمع مندوبها بأذنيه تأنيب الحضور وتلميحهم بأن طهران ترعى الإرهاب وتساند الإرهابيين وتدعم الميليشيات وتهريب الأموال والأسلحة والمتفجرات ليخرج من كل قاعة وقد أضيفت إلى السيرة الذاتية لبلده مهارات جديدة في الخداع والتآمر والتخريب! في مرحلة تاريخية محددة داعبت الأحلام الحكم في طهران بالتمدد والتوسع والسيطرة والهيمنة على الدول المجاورة، بل وصل الخيال إلى حد تصور التحكم في إدارة أمور مصر عبر دعم الأخوان، وسارت في طريق جعلها تصاحب الميليشيات وتدعم الإرهابيين، وتمنح المجرمين الجنسية وتفتح لهم خزائنها، واعتقد الناس وقتها أن إيران فقط تريد تصدير الثورة أو اعتمدت المذهب المكيافلي وأن غايتها أن تتحول إلى دولة مؤثرة في الإقليم، وأنها ستكف شرها حين يتحقق حلمها، لكن حقائق التاريخ وتطورات الأوضاع على الأرض، بعدما خفت أعاصير الربيع العربي، أثبتت أنها كانت مجرد أحلام وأن تحقيقها لم يكن ممكناً لأنه يخالف المنطق والعقل والتفكير الرشيد، إلا أن طهران استمرت ولم تتراجع وصار سلوكها في كل محفل أقرب إلى سلوك الميليشيات.