تستبيح اسرائيل كل شيء في حربها على "حزب الله" التي تحولت حرباً على لبنان بأسره. لم يعد فصلها بين لبنان والحزب الا مجرد ادعاء لا يتقبله منطق. فالخطر بات يلاحق اللبنانيين، كل اللبنانيين، أينما كانوا، يكفي أن تقرر اسرائيل أن مواطناً من أعضاء "حزب الله" أقام في مكان ما أو مر به حتى تشرع لنفسها حق قتل كل من يقيم في المكان أو في جواره وتدمير أملاكه وتشريده. ليس مهماً عدد الضحايا ومن يكونون، أطفالاً او نساء أو عجائز، كما ليس مهماً كيف يقتلون، احتراقاً او تمزقاً او اختناقاً تحت الردم. تحارب اسرائيل "حزب الله" على الجبهة، وتحارب بيئته المدنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وحتى في كسروان والشمال أينما وجدت قرى أو أحياء شيعية أو منازل تؤوي نازحين من المناطق المستهدفة يومياً بالقصف المدمر. بموازاة حربها التدميرية، تشن اسرائيل أيضاً حرباً نفسية على اللبنانيين من كل المناطق والطوائف. تسعى الى بث حالة من الرعب في كل مكان، معتمدة أسلوب الحرب المعلنة، حتى أضحى كل مواطن لبناني يشعر بأنه في خطر، حتى لو كان مناوئاً لـ"حزب الله"، البروباغندا الإسرائيلية تفعل فعلها في النفوس عبر التخويف ودفع الناس الى الابتعاد عن عناصر "حزب الله" أو إبعادهم عن منازلهم ومناطقهم. تحارب اسرائيل لبنان ببشره واقتصاده وعمرانه، فيما تشتغل دعايتها على تحميل بيئة "حزب الله" المسؤولية عن كل ذلك. تقول "ابتعدوا عنهم وأبعدوهم" لنقصفكم. في مجريات الحرب الاسرائيلية على لبنان، تدمر صواريخها أحياء بكاملها في ضربة واحدة، تثير الهلع في النفوس، تضرب في النهار وتنشر فيديوات ضرباتها، ثم تضرب في الليل وتشعل نيراناً هائلة. لا تدع الناس يرتاحون في النهار ولا ينامون في الليل، تسجنهم امام شاشات التلفزيون يتابعون مراسم دفن منازلهم وممتلكاتهم، ويشاهدون أعمدة النار تتصاعد بعد كل غارة فتحرق أعصابهم ووجناتهم ببكاء مرير. حرب الأعصاب التي تشنها اسرائيل على اللبنانيين تحمل دلالات رمزية مكثفة يلتقطها العارف بالشخصية الاسرائيلية وكيفية بنائها العقائدي وبالتاريخ الطويل من الصراع، خصوصا في المحطات الصعبة على دولة قامت عقيدتها على قاعدة انها اذا انكسرت مرة فستنكسر الى الأبد. تصور اسرائيل المواقع التي تدمرها وتنشر صورها وهي تنهار وتحترق في مشاهد زلزالية، ترفع علمها في حديقة محاذية للحدود او تنشر فيديو لدخولها منزلاً في بلدة محاذية للحدود، تدمر جوامع وكنائس ومقامات لأولياء وأنبياء، كأنها تقول في رسائل محملة برموز كثيرة هذه الأرض لنا وسنأخذها بقوة النار كما أخذنا فلسطين، ولن يشفع لكم أولياؤكم ومقاماتكم. تهشم اسرائيل الصورة التي كونها أهل بيئة "حزب الله"، عن أنفسهم، منذ شعروا بقوتهم وقدرتهم على القتال. اغتيال حسن نصرالله وقادة الحزب الآخرين هو اغتيال لرموز القوة والأمان لدى الشيعة في لبنان، وهي رموز استغرق بناؤها وقتاً وجهداً، ومن الصعب تعويضها، فالكاريزما نادرة وتولد بالفطرة. حرب الأعصاب متعبة ومرهقة بالتأكيد، لكن تخطئ اسرائيل اذا اعتقدت ان كل هذا القتل سيأتي بالصلح والسلام، وأيا كانت نتيجة الحرب الدائرة، لن يهمد هذا الصراع أبداً. كل هؤلاء المهجرين والمشردين سيعودون الى ركام منازلهم يوماً كما عادوا بعد حروب مدمرة سابقة، وهذه المرة ستكون لهم مقامات مقدسة كتلك التي في إيران والعراق يحجّون اليها ويستقوون بها.