ميسون الدخيل

أحيانًا يخرج إليك الإعلام الغربي بتقارير قد تظن أنها تحاكي أو تشرح الألم والفجيعة التي يعاني منها جنود الكيان أو سكانه، ولكن سرعان ما تتضح الصورة بعد التعمق في التقرير لتجد أنه لا يتحدث عنهم بل عن ضحايا آخرون بين الأسطر، حتى في المؤازرة على ما يبدوا أنهم ما زالوا حذرين حتى لا يتم اتهامهم بمعاداة السامية! الآن ما الأفكار التي سوف تحضر إلى ذهنك بعد أن تقرأ التقرير التالي الذي نشر بتاريخ 21 الشهر الجاري من قبل الـ «سي أن أن» ؟ لنبدأ بالعنوان: («لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه»: الجنود الإسرائيليون العائدون من الحرب يعانون من الصدمة والانتحار). وأضافت الصحيفة التالي: «ملاحظة المحرر: تتضمن هذه القصة تفاصيل حول الانتحار قد يجدها بعض القراء مزعجة». من الطبيعي أن تتوقع أن محور الاهتمام هو هؤلاء الجنود ونفسياتهم بعد العودة من غزة، ومن الطبيعي أيضًا أن تتوقع أن التفاصيل «المزعجة» سوف تكون عن كيفية تنفيذ عمليات الانتحار. لكن ما أن تغوص قليلًا بين الأسطر ستجد ما هو مقزز ومروع، كلا ليس لما حدث لهؤلاء الجنود بل لما فعلوه! سأضع لكم هنا بعض المقاطع من التقرير، مع بعض تعليقاتي حتى أشارككم ما استنتجت وما شعرت وأنا أقرأ التقرير. بطل التقرير هو جندي الاحتياط «إليران مزراحي» يقول التقرير: «أغلقت السلطات الإسرائيلية - مع استثناءات نادرة - قطاع غزة أمام الصحفيين الأجانب إلا تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، ما يجعل من الصعب تصوير المدى الكامل لمعاناة الفلسطينيين أو تجارب الجنود هناك. وقال الجنود الإسرائيليون الذين قاتلوا في القطاع لشبكة CNN إنهم شهدوا فظائع لا يمكن للعالم الخارجي أن يفهمها أبدًا.... تجريف «الإرهابيين أحياءً وأمواتاً»! مهلًا، سوف نتعرف على هؤلاء «الإرهابيين» بعد عدة مقاطع من التقرير. لنكمل: «تم نشر مزراحي في غزة في 8 أكتوبر من العام الماضي وتم تكليفه بقيادة جرافة D-9، وهي مركبة مدرعة تزن 62 طنًا يمكنها مقاومة الرصاص والمتفجرات. كان مدنيًا معظم حياته، وعمل مديرًا في شركة إنشاءات إسرائيلية.... تم إخراجه من غزة لتلقي العلاج، وفي أبريل شخصت إصابته باضطراب ما بعد الصدمة،... وقالت (والدته) التي تعيش في مستوطنة «معاليه أدوميم» الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة (أن تضع «سي إن إن» كلمة «محتلة» هذه سابقة): «لم يعرفوا كيف يعاملونهم (الجنود). وأضافت «قالوا (الجنود) إن الحرب مختلفة تمامًا. لقد رأوا أشياء لم يسبق لها مثيل في إسرائيل». طبعًا لم يدخلوا سجون التعذيب وربما لم يشاهدوا أفعال المتطرفين مع أهالي القرى من ترويع وترهيب وتعذيب وقتل! «.. تساءلت (والدته) عما إذا كان ابنها قد قتل شخصًا ما ولا يستطيع التعامل مع الأمر. «لقد رأى الكثير من الناس يموتون. ربما حتى أنه قتل شخص ما. (لكن) نحن لا نعلم أطفالنا القيام بأشياء كهذه». «لذا، عندما فعل هذا، شيئًا كهذا، ربما كان ذلك بمثابة صدمة له». ربما؟! هل كان هناك في نزهة؟ أم ذهب لتقديم الدعم الوجداني مثلًا! «وقدم «غي زاكين»، صديق مزراحي ومساعده في قيادة الجرافة، المزيد من المعلومات حول تجربتهم في غزة. وقال: «لقد رأينا أشياء صعبة جدًا جدًا». «الأشياء التي يصعب قبولها.«وتحدث الجندي السابق علنًا عن الصدمة النفسية التي عانى منها الجنود الإسرائيليون في غزة. وفي شهادته أمام الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، في يونيو، قال زاكين إنه في مناسبات عديدة، اضطر الجنود إلى «دهس الإرهابيين، أحياء وأموات، بالمئات». وأضاف: «كل شيء يتدفق». لأقرب لكم المشهد باللغة العربية، هو يصف خروج اللحم من المفرمة خلال فرمه! «يقول زاكين إنه لم يعد يستطيع أكل اللحوم، إذ يذكره بالمناظر المروعة التي شاهدها من جرافته في غزة، ويكافح من أجل النوم ليلًا، وأصوات الانفجارات تدوي في رأسه». وقال لـCNN: «عندما ترى الكثير من اللحوم (المهروسة)، والدماء... دماءنا ودماءهم (حماس)، فإن ذلك يؤثر عليك حقًا عندما تأكل»، في إشارة إلى تشبيه الجثث بـ «اللحوم». ويؤكد أن الغالبية العظمى ممن التقى بهم كانوا «إرهابيين». أموات وأحياء؟! لا فعلًا مسكين، الرجل أصبح نباتيًا، أين الرحمة، أين الإنسانية؟! والغالبية العظمى «إرهابيين»؟! لم ير العالم بأجمعه سوى مدنيين ونسبة كبيرة من الأطفال والنساء، حتى في ضعفهم لا يستطيعون سوى الكذب والتدليس! لنكمل: «يتذكر قائلًا: «لقد رأينا المدنيين، أوقفناهم وأحضرنا لهم الماء للشرب، وتركناهم يأكلون من طعامنا»، مضيفًا أنه حتى في مثل هذه المواقف، كان مقاتلو حماس يطلقون النار عليهم. وقال: «لذلك، لا يوجد شيء اسمه مواطنين»، في إشارة إلى قدرة مقاتلي حماس على الاختلاط مع المدنيين. «هذا هو الإرهاب». ما هذا الحنان؟ أطعمناهم؟! لقد ظهرت على حقيقتك أيها المجرم، هل هذا تبرير لقتل المدنيين؟ ألم تقل إن الغالبية «إرهابيون»؟! بالنسبة لحمامة السلام «إليرن» يقول التقرير: «بعد أن انتحر، ظهرت مقاطع فيديو وصور على وسائل التواصل الاجتماعي له وهو يهدم المنازل والمباني في غزة ويقف أمام المباني المخربة. بعض الصور، التي يُزعم أنها نُشرت على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي والتي أزيلت الآن، ظهرت في فيلم وثائقي (حيث) تمت مقابلته على القناة 13 الإسرائيلية» ويضيف التقرير أن أخته «المسكينة» انزعجت من كمية التعليقات السلبية والشتائم تحت صوره! حقًا ماذا كانت تتوقع من ردة فعل على تسجيلات إجرامه ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي؟! ربما كان التقرير مؤازرة لجنود الكيان المحتل وما عانوه، ولكن الذي حدث أنه أظهر معاناة أهل غزة أمام وحشية هذا الجيش، إضافة إلى عدم اهتمام قادة الجيش بجنوده، وكأن سلوكياتهم تخاطب المجندين قائلة: «عقل مضروب؟ موت خبيبي»! - الخاء بدل الحاء لأنهم لا يلفظونها- وليس بعيدًا أن نجد أنهم سرقوها كما سرقوا الأرض والتاريخ والتراث حتى الحمص والفلافل! هل سيصعب عليهم سرقة «حتة» حرف؟!