النظرة إلى «حزب الله» وقيادته هي التي حولت حرب 2006 العديمة الجدوى، والمؤلمة، إلى نصر إلهي، مع تعامي الجميع عن مقولة قائده، بأنه لو كان يعلم بقوة الرد الإسرائيلي لما أقدم «قطعاً» على أسر الجنود الإسرائيليين! فقادة من أمثال نصرالله لا يستشيرون أحداً في قراراتهم المصيرية، خاصة أنه أقنع كل أتباعه بأن أمن إسرائيل وبيتها أهون من «بيت العنكبوت»، وأن قوة الحزب هي الحامية للشيعة، ليس فقط ضد عدوهم الخارجي، بل وضد عودة الشيعة إلى طائفة ضعيفة ومهمشة! فبقاؤه يعني استمرار قوتهم، والعكس صحيح. فسلاح المقاومة له فوهتان، خارجية وداخلية، والأخيرة هدفها التحكّم بالقرار اللبناني، بالقضاء على احتكار الآخرين للسلطة والمزايا وخيرات الدولة، متناسين أن الموارنة، مثلاً، لم يأخذوا السلطة بالسلاح، بقدر ما أعطيت لهم، فقد فضلت كل القوى، التي حكمت، التعاون معهم، على مدى قرون، ليس لوجود السلاح بأيديهم، بل لأنهم كانوا الأكثر تعليماً وتدريباً. واعتقاد الحزب وقادته، أنه بإمكانهم، بالسلاح والبطش والإرهاب، إجبار الآخر على احترامهم، وتالياً الحلول محل غيرهم والتفرّد بحكم لبنان، مجرّد وهم كبير.

إن سرّ لبنان كان ولا يزال، في عيوني ككويتي، وعيون غيري، يكمن في الحرية، فلا الحزب ولا قادته ولا أطره، فهموا، أو أرادوا فهم ذلك يوماً، لأنهم لم يؤمنوا أصلاً، بتكوينهم وطبيعة تفسيرهم لعقائدهم، بشيء يسمّى «حرية». فنقد القيادة و«العمّة» ممنوع، والتساؤل محرّم، والشك قاتل، ورأينا مصير كل الذين تجرؤوا وانتقدوا، ليأتوا في اليوم التالي يعلنون توبتهم واعتذارهم للحزب وسيده، وهكذا تم مسح شخصية اللبناني الشيعي وإهانتها، ومنع أكسجين الحرية عنها، فلم يعد يرى، بخاطره أو بغيره، غير ما هو مطلوب منه أن يراه، وهو يجول بشوارع العاصمة وأحياء وشوارع الغير بالدرّاجات النارية، صارخاً «شيعة.. شيعة»، بنبرة تحدٍّ لا يمكن نسيانها، ولا من يحد من أضرارها.

في زمن السيد كان ممنوعاً طرح الأسئلة، بل فقط انتظار الشهادة، أو الموت، وخسارة الأرض والقرية والحقل والبيت، من خلال تعميم ثقافة التخوين ومنع التساؤلات، فخلقوا من الحزب أسطورة، ولذا عندما تم اغتيال قيادته حدثت صدمة رهيبة بين أنصاره، وحتى مناوئيه، ليس بسبب الحجم الرهيب للحدث، بل للسهولة والسرعة الغربية، التي تم فيها الأمر، بحيث قضى على كامل قيادة «دولة الحزب» خلال أيام، في واحدة من أكثر الحوادث التاريخية خطورة وندرة، فكيف لحزب امتلك يوماً ترسانة مكونة من مئات آلاف الصواريخ المدمِّرة، وبيئة بشرية كثيفة داعمة، وولاء لا خلاف عليه، أن يفنى في لحظات؟ لا شك أن هناك سرّاً، وهو يكمن في العلم، فقد اهتم طرف به، وعمل لسنوات على جمع كل ما يمكن جمعه عن الطرف الآخر، الذي اكتفى بالدعاء والتهديد بتدمير حيفا، وما بعد بعد حيفا، غير مدرك أن الأمة التي تفتقد العلم، ولا تمارس حريتها، من السهل سحق ثقافتها وإهانة كرامتها، والانتصار عليها.

لقد تطلب صعود «حزب الله» ونصرالله، على مدى ثلاثة عقود، فقد عشرات الآلاف لحياتهم، وصرف مليارات الدولات على أنشطته، لكن لم يتطلب القضاء على كل هذا غير معلومات استخباراتية وقنابل بعشرات ملايين الدولارات، فيا حيفاه ويا أسفاه.

وإلى مقال الغد.


أحمد الصراف