سيّدتي الكريمة أودري أزولاي، تُملي عليَّ اللياقة أنْ أبدأ رسالتي المفتوحة هذه بعبارات المجاملة، من مثل "راجيًا أنْ تكوني بخير"، و"يعطيكِ ألف عافية". حسنًا. إنّه لكذلك. ثمّ نقطة. وإلى أوّل السطر. فمن الأوّل، أي من العنوان، ومن الكلمة الأولى والسطر الأول، ومن دون لفٍّ أو دوران: بعلبك تحت مقصلة القصف. صور أيضًا. وصيدا. وسواها.

إفتحي دفاتركِ واقرأي وتمعّني، لتعرفي جيّدًا وتمامًا عمّا أتكلّم. أنتِ مهتمّة بأمورٍ كثيرة تخصّ التراث الثقافيّ والإنسانيّ للبشريّة. وهذا طبيعيّ قياسًا بالمسؤولية الأمميّة الخطيرة التي تضطلعين بها باعتبارك المديرة العامّة لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).

يا لعظمة هذه المسؤوليّة! لكنّ الموضوع الحارّ والحارق هو موضوع بعلبكّ. فهل ثمّة لزوم لأوضح وأشرح طبيعة هذا الموضوع؟! وهل من ضرورة لأسمّي هذه البعلبكّ بأسمائها وأوصافها، من أجل أنْ تشعري بهول ما يُرتكب في حقّها، على يد "الغول" الصهيونيّ الفائق الوحشيّة، الذي يحظى، يا للعار، برعاية الأمم واحتضانها، وبالسكوت والتغاضي على جرائمه التي تطاول كلّ المستويات، وها هنا تطاول الثقافة والتراث الإنسانيّين؟!

يجب، يا سيّدتي، أنْ ترتّبي أولويّاتكِ من دون تمييز ولا تفرقة. فإيّاكِ، مثلًا، أنْ تستغرقي في متاهات "اللعبة السياسيّة" التي يمارسها وحوش العالم، في كلّ مكان، ولا سيّما في لبنان وفلسطين. أيّ تصرّفٍ من هذا القبيل، من شأنه أنّ يجعل الحجر الإنسانيّ في بعلبكّ، وفي سوى بعلبكّ، في صور وصيدا التاريخيّتين، مثلًا وأيضًا، في المهبّ الجنونيّ القياميّ. والحال هذه، افعلي شيئًا وفورًا لوقف إبادة الحجر الإنسانيّ هنا.

يجب أنْ تتحرّكي على الفور. نعم، آمركِ بأنْ تنهضي من يقظتكِ المتراخية، كي لا أقول نومكِ المتراخي. بعلبكّ في الدقّ، وها أنا أكتب إليكِ الأنين الذي يصرخه الحجر. ويصرخه التاريخ. فإيّاكِ أنْ تستخفّي بهذا الأنين. إنّه، يا سيّدتي، الأنين المجروح في جوهر كرامته، وكبريائه. فإيّاكِ.

لا تستغربي لهجتي القاسية. يجب أنْ أمرّر إليكِ هذه الرسالة بأيّ طريقةٍ ووسيلة، فهي قد لا تصل، فبسبب حجم القصف الذي يفوق كلّ همجيّةٍ ووصف. لم تعد تصل إلى العالم رسائلنا الثقافيّة التي تدعو إلى وقف النار وإهماد بركان الموت و... تحييد التراث الإنسانيّ الذي يخصّ البشريّة جمعاء. من بلاد الموت والركام، أكتب إليكِ. ثقافتنا الإنسانيّة، تراثنا للإنسانيّة، أرضنا، شعرنا، أدبنا، أغنيتنا، فنوننا، تراثنا، طقوسنا، حكاياتنا، أساطيرنا، روحنا الجمعيّة، وإنساننا، هذه كلّها تحت مقصلة الزوال. تعالي إلى لبنان.

الآن وفورًا. تعالي واشهدي. يجب أنْ تفعلي شيئًا جسورًا يفوق العادة والمتعارف عليه. هذه الفضيحة الكونيّة، قولي للعالم المجرم أنْ يوقفها. هذا القتل القصديّ لذاكرتنا التاريخيّة والثقافيّة والإنسانيّة، يندرج تحت سقف الإبادة الجماعيّة.

هل تريدين أنْ يذكر التاريخ عهدكِ في الأمانة العامّة لمنظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بهذا "الوسام". وهو "العار الأسمى"؟!

سيّدتي أودري أزولاي، تُملي عليَّ اللياقة أنْ أعتذر. سأعتذر عندما تفعلين شيئًا فوق العادة يضع حدًّا لهذه الإبادة الثقافيّة. عليكِ أنْ تشلّي يد المجرم. وإلّا سأسمّيكِ قاتلةً ومجرمة. أعمدة بعلبكّ، زيتيّة من عشرينات القرن الماضي، بتوقيع F.N.