كثيرة هي الأمور التي تعكر استقرار الإنسانية، وتثير مخاوفها، وتنزع السكينة من أرجائها، وفي مقدم ذلك وأخطرها، الحروب والأيديولوجيات العنيفة المتطرفة والإرهاب، وهي من المهددات الرئيسة للاستقرار الإنساني، فأين ما وجدت هذه الممارسات العدوانية، تحتم على الإنسانية أن تعيش في توهان بين تشريد وزهق للأرواح وترويع للآمنين، وخوف وتجويع، وغيرها من الأضرار التي تلحق ببني الإنسان.

فالحروب والأيديولوجيات العنيفة لا تأتي بخير، هدفها تحقيق مرادها على حساب الضعفاء والأبرياء والمبادئ الإنسانية، فهي لا تعير قيمة للأرواح، ولا تكترث لصرخات الأطفال، واستنجاد النساء، ولا ترأف بشيخ كبير، بل تتخذ الوحشية والنزعة الإجرامية منهجاً لها.

الفكر الإنساني السوي، منافٍ لكل هذه الانتهاكات الصارخة، بل يرسخ الوئام والاستقرار، ويبث ثقافة الحفاظ على النفس البشرية، ويصونها من كل أذى، بل يسعى إلى أن تكون النفس البشرية تعيش بعزتها وشموخها، كما أراد لها خالقها. كما أن الفكر الإنساني المبني على الفطرة السوية، يرسي دعائم المودة والتراحم، ويعزز لغة التسامح والتعايش والحوار، ويحث على حفظ الكرامة الإنسانية، ويدعو الناس إلى الألفة والتعاون في ما بينهم، بحيث يشفق الكبير على الصغير، ويحترم الصغير الكبير، حتى تعيش الإنسانية بمحبة ووئام، بعيداً عن العنف واعتداء الإنسان على بني جنسه، بل الفكر الإنساني السليم، يدعو إلى الكف عن الاعتداء على البيئة بمكوناتها، فكيف بالإنسان؟.

ويتجلى الفكر الإنساني بأبهى حلته وأنقى طلته، بالأنامل الإماراتية، فدولتنا الغالية منذ تأسيسها على يد الوالد المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهي تسير على نهجها الراسخ بأن تضع الإنسان أولوية رئيسة من أولوياتها، لا سيما في المحن والصعوبات، فنجدها في مقدم الدول لتقديم المساعدات والإغاثات الإنسانية، وتطعم الجوعى، وتعالج المرضى، وتسهم بفعالية وجهود منقطعة النظير، لضمان توفير الأمن الإنساني بكافة أبعاده واتجاهاته، بمختلف الأماكن والمواقع، وفي كل الظروف.

وتسير قيادتنا الحكيمة على هذا النهج الإنساني الراسخ، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، فسموه قدوة عالمية، ورمز في العمل الإنساني والإغاثي، وقد وجّه، حفظه الله، بإطلاق حملة «الإمارات معك يا لبنان»، تجسيداً لروح التعاضد والوقوف من الأشقاء، لا سيما في الملمات والأزمات، فسموه يعرف بمواقفه، فهو عون للشقيق والصديق والإنسانية.

والدروس الإماراتية زاخرة ومتلألئة في تقديم الإحسان، الذي ينير دروب بني الإنسان، من التعاملات الراقية، ولين الجانب، والتواضع، وحب الخير للغير، ومساعدة المحتاجين، والتحلي بالرحمة والشفقة تجاه البشرية جمعاء، دون تمييز ولا تفضيل، فالغاية هي أن ينعم الإنسان بحياة طيبة هنيئة، مطمئن في أسرته، سعيد في محيطه.

المجتمعات كافة أحوج ما تكون اليوم نحو ترسيخ الفكر الإنساني المبني على الفطرة السوية من التراحم والعطف والأخلاق الراقية والقيم الرصينة، التي تحفظ للإنسان كرامته وتصون نفسه، وهي مسؤولية المجتمع الدولي في تحقيقها لتعيش الإنسانية بسعادة وهناء، بعيداً عن الحروب والأفكار المشؤومة، التي سلبت من الإنسانية طمأنينتها.