فيصل زقزوق
في شهر ربيع الثاني من عام 1376هـ (قبل سبعين عاماً) افتتح الملك سعود -طيب الله ثراه- أول مستشفى حديث بالمملكة، والذي عرف باسم مستشفى الملك سعود أو مستشفى الشميسي، بطاقة استيعابية لـ400 سرير في ذلك الوقت، محدثاً إحدى نقاط التحول في تاريخ الخدمات الصحية بالمملكة وتوفرها، لاسيما وأن معظم الخدمات الطبية المعقدة لم تكن متوفرة آنذاك، متزامناً مع بداية التنمية وتوسع البنية التحتية التي ساهمت في ارتفاع الكثافة السكانية بالرياض وباقي المدن الكبرى، مؤديةً إلى ارتفاع الطلب على الخدمات، حيث باتت الحاجة إلى هذا التوسع ضرورة قصوى. وكان إيذاناً لانطلاق عصر جديد في علاج الأمراض والوقاية منها، حتى وصلنا إلى هذا العهد الزاهر الذي تنعم به المملكة في تقديم خدمات غير مسبوقة في القطاعات الصحية العامة والخاصة، بل وإن عدداً ليس بقليل من تلك المنشآت تنافس في جودتها مراكز متقدمة على مستوى العالم. وبالرغم من كل هذا التقدم إلا أن مسألة العلاج بالخارج تظل مطلباً عند الكثير من الناس، وذلك إما لأسباب طبية أو ثقافات بحاجة إلى تحديث.
وهنا أود تحليل الأسباب بشكل عام، أولاً: عدم توفر الخدمة النادرة، وذلك أمر طبيعي فقد تجد مراكز متخصصة على مستوى العالم معنية بعلاج نوع معين من الأمراض يندر ظهوره، مما لا يستدعي توفير الخدمة داخل المملكة نظراً لارتفاع تكاليف توفيرها محلياً وندرة المستفيدين منها، وهم مثال معمول به في جميع الدول المتقدمة طبياً -كالمملكة وأمريكا وكندا. ثانياً: عدم الرضا عن جودة الخدمة وتجربة المراجع أو المريض، وأهمها كالتالي:1- ضعف التواصل بين المستفيد ومقدم الخدمة. 2- ضعف جودة تعامل الكادر الصحي لافتقاد المنظومة لحوافز مبنية على تقييم المراجع. 3- بطء الخدمات والإجراءات مقارنةً بسرعتها الفائقة بالقطاع الخاص.
ولتطوير تلك النقاط لا بد لمنشآت القطاع العام من تبني الهيكلة التشغيلية والإدارية المتبعة في القطاع الخاص الذي يعتبر أن جودة الخدمة هي أهم روافد النجاح للمنظومة وكفاءة المخرجات العلاجية والخدماتية، والتي بدورها تنعكس على الحوافز المقدمة لمقدمي الخدمة لتأكيد جودة وراحة الكادر مع قياس أدائهم.
ثالثاً: فقدان الثقة في مقدم الخدمة أو الممارس الصحي، حيث إن ما نشهده اليوم من غزارة المحتوى الدعائي أو التثقيفي على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع أدى إلى زعزعة الثقة في الأطباء بسبب تعقيدها في بعض الأحيان، مضطرةً المراجع إلى زيارة عدة أطباء بمختلف المنشآت لاسيما وأن تباين التشخيص والخطط العلاجية من طبيب إلى آخر أمر وارد -ومقبول إذا كان بدرجة بسيطة- إلا أنه سرعان ما يفقد المستفيد الثقة ويلجأ لطلب العلاج الخارجي (الذي لا يختلف عن الموجود بالمملكة بمعظم الأحيان). وجزء من المشكلة هنا تعدد زيارة المختصين (انظر المقال السابق بعنوان التسوق الطبي) والتي قد يكون أحد حلولها إشراك المستشفيات الخاصة من ضمن تسلسل الخدمات الطبية للتجمعات الصحية بدلاً من اقتصارها على مستشفيات مملوكة لقطاع واحد بطريقة تؤدي إلى إمكانية الموازنة بين ازدواجية الخدمات وطلب الاستشارة الثانية (second opinion) بشكل ممنهج يضمن للمراجع عدم الدخول في تلك الدوامة الفكرية، بالإضافة إلى حوكمة المحتوى الإعلامي المبالغ فيه بطريقة تعزز من الخدمة الطبية والعلاجية.
التعليقات