محمد خلفان الصوافي

مع كل انتخابات رئاسية أمريكية هناك سؤال تقليدي يتزامن معها، ويتم مناقشته في وسائل الإعلام الدولية بشكل أقرب لأن يكون «عاطفياً» أو بمعنى أدق شعبوياً وهو: مَن المرشح الذي تفضله دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي هذه الانتخابات كان السؤال أيهما الأنسب للدول الخليجية دونالد ترامب أم كامالا هاريس؟

قبل الإجابة عن التساؤل أعلاه علينا توضيح بعض النقاط المهمة، والتي جعلت العديد من دول العالم تعيش حالة من القلق السياسي، خاصة أعضاء حلف شمال الأطلسي، وأكاد أجزم أن دول مجلس التعاون الخليجي هي من أقل الدول قلقاً من مجيء أي من الطرفين لأسباب ستأتي ذكرها لاحقاً.

ويمكن القول إن إعلان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا يعني انتهاء قلق المراقبين في العالم من تداعيات هذا الفوز، وإنما هو قل وتراجع بنسبة كبيرة، فالقلق طبيعته أن «الإنسان عدو ما يجهل» أو المجهول، وهو أمر ينطبق على السياسيين كما العامة، ولكن بمجرد أن يعلم ما يخفيه المستقبل فإنه يختفي خوفه وقلقه، حتى لو كان المجهول أمراً سلبياً لأنه بعد ذلك سيعمل على أن يتعامل معه.

يكاد يجمع الرأي العام العالمي على أن هذه الانتخابات لم تكن عادية، من حيث من سيكون الساكن الجديد في البيت الأبيض، والسبب أن المرشحين الاثنين لم يكونا يتمتعان بإجماع لا في الداخل الأمريكي ولا في الخارج، لأنهما حسب بعض الآراء، غير مقنعين بحجم الدور المنتظر للولايات المتحدة الأمريكية في النظام العالمي، وربما هذا ما تفسره حالة التقارب في استطلاعات الرأي بينهما حتى اللحظات الأخيرة.

إن القلق الذي عاشه العالم قبل فوز ترامب، ولا يزال مرتبطاً باحتمالات السياسة الخارجية المتوقعة، مبني على عاملين اثنين. العامل الأول: مُسَلّمة سياسية حول وضعية أمريكا الدولة ورئيسها بغض النظر عن الحزب القادم منه، والعامل الثاني مبني على مستجدة جديدة فيما هو معروف تقليدياً من فروقات في السياسة الخارجية لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

فأما المُسَلّمة فهي أن السياسة الخارجية الأمريكية لها تأثير كبير على العالم بأكمله، بما فيها الدول الكبرى الأخرى مثل الصين وروسيا، وبالتالي فمراقبتها ومتابعتها ليس لشخص الرئيس، وإنما الأجندات السياسية التي يطرحها في حملته الانتخابية، وهو في هذا لا يمثل نفسه، وإنما يُعبر عن سياسة المؤسسات التقليدية في الولايات المتحدة الأمريكية (مثل البنتاغون والاستخبارات الأمريكية ووزارة الخارجية).

وأما المستجدة الغريبة في السياسة الخارجية الأمريكية فهي أن الحزبين الحاكمين في أمريكا منذ مجيء الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، تغير نهجهما فأصبح الحزب الديمقراطي يميل نحو التدخل الخارجي أكثر، آخرها التدخل في الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما يناقض ما هو معروف عنه في التركيز على القضايا الداخلية، في حين أن الحزب الجمهوري منذ عهد الرئيس، دونالد ترامب، بات يتبنى الانعزالية السياسية، والتركيز على القضايا الداخلية بشكل أوضح.

وبالعودة إلى التساؤل الذي تم طرحه في بداية المقال فإن اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بالانتخابات ليس من باب «تفضيل شخص الرئيس» كشعور ورغبة عاطفية؛ لأن هذا الأمر غير معترف به في العلاقات الدولية، وإنما الغرض الأساسي قيام دوائر صنع القرار في الدول الأخرى بترتيب أولوياتها من الملفات الوطنية للتعامل مع الرئيس الجديد، وهذا يحدث مع كل دول العالم، حيث تشير العديد من المواقف الدبلوماسية الخليجية المتراكمة، خلال عقد كامل، إلى أنه بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات الأمريكية فإن هذه الدول مستعدة للتعامل معه من منطلقين اثنين، رسختهما تلك الدبلوماسية الخليجية، ويمكن ملاحظتها، والمنطلق الأول: أن هذه الدول حددت أهداف سياستها الخارجية في التعامل مع الجميع، واختصرتها في استراتيجية «صفر أزمات».

المنطلق الثاني: التوازن الاستراتيجي مع الجميع، وعدم الميل أو الانحياز لقوى عالمية ضد الأخرى، والتحرك بينهما وفق المحرك الأساسي لها وهو المصلحة الوطنية، وهذا الأمر لا يزعج أحداً في العالم، فكل الدول ذات السيادة تتحرك وفق هذا النهج.