حصة مروان السديري

عند الحديث عن جدة، تتبادر إلى الأذهان الصور والأشعار التي خلدت جمال هذه المدينة الساحرة التي أُطلق عليها اسم عروس البحر الأحمر، ولكن جدة ليست مجرد جمال ساحلي، بل هي حاضرة تضج بعبق التاريخ وتكتنز دورًا بارزًا في مهد الإسلام، وتأثيرًا اقتصاديًا شهد عليه الزمن.

دور جدة التاريخي والإسلامي، بدأت أهمية جدة كميناء اقتصادي في عهد الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي اختارها كميناء رئيسي بدلاً من ميناء الشعيبة، نظرًا لقربها من مكة المكرمة وملاءمة عمق مياهها لرسو السفن، وكانت الشعاب المرجانية التي تحيط بها تشكل حاجزًا طبيعيًا يحميها من أي غزو بحري، فلا يمكن اختراقها إلا من قِبل العارفين بمسالكها من أهل جدة.

كما بنى الخليفة عثمان بن عفان أحد أقدم المساجد التاريخية في جدة، واستمر الاستيطان فيها منذ القرن الأول الهجري (525 - 622 ميلادي) حتى يومنا هذا. ومرّت جدة عبر عصور إسلامية متنوعة، من صدر الإسلام، مرورًا بالعصور العباسية، والفاطمية، والأيوبية، والمملوكية، وصولاً إلى العصر الحديث عندما وحّد الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- المملكة العربية السعودية.

جدة بوابة الحجاج والتجار، كانت جدة على الدوام بوابةً أساسيةً للحجاج الوافدين إلى مكة، حيث تتحول بيوتها إلى دور ضيافة تستقبل الحجاج، والبحارة، والتجار، وعابري السبيل. وتميزت عمارتها الفريدة بخصائص معمارية مثل الرواشين والنوافذ المزخرفة، واستخدام الحجارة المحلية، وتعدد الطوابق، مما جعل منها رمزًا معمارياً يعكس ثقافة المنطقة وتراثها العريق. تشكل جدة التاريخية مكتبة مفتوحة بين شوارعها، حيث يروي كل حجر وكل زقاق حكايات تمتد منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، مما يجعلها كنزًا ثقافيًا يمزج بين التاريخ والحداثة.

تتواصل اليوم الجهود لإعادة اكتشاف تاريخ جدة وإحياء تراثها، ضمن رؤية ولي العهد 2030 بقيادة وزارة الثقافة وبرنامج جدة التاريخية الذي يهدف إلى إبراز العمق التاريخي للمدينة وتطوير المنطقة التاريخية، لتحويلها إلى معلم سياحي وثقافي يعكس الهوية التراثية السعودية.