في ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وخصوصاً لدى الجيل الجديد الذي يستخدمه بشكل مكثف في مختلف المجالات، من المساعدات الافتراضية إلى التطبيقات والأجهزة المنزلية الذكية، وقد وفرت هذه التقنيات وسيلة فعالة لتسهيل الحياة اليومية وتسريع إنجاز المهام، ما يجعل الشباب قادرين على التفاعل مع الأجهزة بشكل سلس ومباشر، إلا أن هذه السهولة في التعامل، وإمكانية إصدار الأوامر المباشرة من دون الحاجة إلى المجاملات، تثير مخاوف من أن يؤثر هذا النمط في تفاعل الأفراد الواقعي مع بعضهم، ليقلل من التزامهم باللباقة والاحترام في تعاملاتهم الاجتماعية.

فقد أصبح من المعتاد عند استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي أن يصدر الأفراد أوامر مباشرة، من دون الحاجة إلى كلمات مثل «لو سمحت»، «من فضلك»، «ممكن»، أو «شكراً»، نظراً لأن الذكاء الاصطناعي لا يتطلب هذه العبارات لإتمام المهمة، وقد يؤدي ذلك إلى ترسيخ عادات جديدة تقوم على إصدار الطلبات من دون مراعاة أسلوب الطلب، ما قد يجعل الجيل الجديد أقل اهتماماً بتفاصيل اللباقة وأسس التفاعل المهذب.

وفي هذا السياق، يتعين علينا اليوم أن نعمل على إضافة الأخلاقيات والأدب والاحترام بصفتها عناصر أساسية في برمجة أنظمة الذكاء الاصطناعي، بحيث لا تقتصر مهامها على تنفيذ الأوامر فقط، بل تتضمن قيماً تشجع على احترام الإنسان وتعزز أسلوب التعامل اللبق.

ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال برمجة أنظمة الذكاء الاصطناعي لتشترط استخدام عبارات مثل «من فضلك» و«شكراً» قبل الاستجابة للأوامر، ما يسهم في تعزيز ثقافة الاحترام لدى المستخدمين.

ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، يظهر تساؤل جوهري: هل يمكن للتكنولوجيا أن تؤدي دوراً فعالاً في تعزيز القيم الأخلاقية مثل الاحترام، أم أنها ستبقى مجرد أداة لتحقيق الأهداف من دون النظر إلى الأسلوب؟ من الممكن أن يتحقق ذلك إذا اعتمدنا مقاربة شاملة تجمع بين التقنية والتربية، بحيث يكون للآباء والمربين دور كبير في توعية الجيل الجديد بأهمية احترام الآخرين، وتذكيرهم بأن التفاعل اللطيف هو قيمة أساسية يجب الحفاظ عليها، سواء أكان ذلك في التفاعل مع الأفراد أو حتى مع الآلات.

في نهاية المطاف، يبقى المستقبل مفتوحاً أمام إمكانية أن تصبح التكنولوجيا وسيلة لتعزيز القيم الإنسانية، إذا استُخدمت بعناية ووعي، وربما، في المستقبل القريب، نشهد تطورات في الذكاء الاصطناعي تجعله شريكاً في غرس هذه القيم، ليصبح مثالاً يحتذى في التعامل، ويعزز انتشار ثقافة الاحترام، بدلاً من أن يكون عاملاً في تراجعها.