حسين شبكشي

لم يكن أكثر المتفائلين من مؤيدي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب يتوقع فوزه بهذه الصورة وهزيمته الساحقة لكامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي وقيادته لموجة حمراء عاصفة مكّنت الحزب الجمهوري من الفوز بمجلس الشيوخ والاحتفاظ بالأغلبية في مجلس النواب أيضاً. ولعل أبلغ وصف لتشخيص ما حصل هو ذلك الذي قدمه المفكر الأمريكي المشهور فرانسيس فوكوياما، الذي قال إن ما حصل يعكس الصورة الأولية التي قدمت وقت فوز ترمب بولايته الأولى أنه حدث استثنائي وغريب، وأكد ذلك فوز جو بايدن بعد ذلك وخسارة ترمب أمامه، واعتبر هذا عودة الأمور إلى نصابها مجدداً بعد إصلاح الوضع المريب والحدث الطارئ، والآن مع عودة دونالد ترمب منتصراً إلى البيت الأبيض أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت أمراً طبيعياً جديداً ممثلاً في دونالد ترمب، وأن الشاذ والغريب وغير التقليدي كان هو حقبة جو بايدن.

الفوز الكاسح لدونالد ترمب سواء أكان بحساب أصوات المجمع الانتخابي أو الأصوات العامة، وذلك بنسبة ساحقة، لا يمكن تفسيره سوى أنه تفويض شعبي عريض لتنفيذ سياساته التي أعلنها ووعوده التي أطلقها.

وباعتبار أن ما يحصل في أمريكا لا يبقى في أمريكا حصرياً؛ لأنه من الطبيعي جداً أن يؤثر على غيرها من البلدان، وأولها تلك التي تقع في المعسكر الغربي.

النجاح الساحق والانتصار المدوّي سيفتح شهية عدد غير بسيط من الأحزاب الأوروبية لاستنساخ تجربة دونالد ترمب وتكرارها، خصوصاً أنه إذا ما حكمنا على نتائج الانتخابات الأخيرة في بريطانيا والهند واليابان وغيرها سنجد أن الشعوب أدلت بصوتها وبقوة واضحة ضد الأحزاب الحاكمة، مبررة ذلك برغبة جادة في التغيير.

أصداء هذه النتيجة ستكون لصالح أولوية الاقتصاد في صناعة القرار، فجودة الحياة لها تعريف أولي وهو قدرة الناس على الوفاء بالتزاماتها المالية لتأمين لقمة الخبز لأسرهم، وهذا أهم من سياسات الجندرة والهوية التي طغت على المشهد السياسي وحوّلته إلى مسرح ساخر ومقزز.

هناك مشاهد كثيرة جداً مرشحة للتغيير وأن تتأثر نتاج ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً من ضمنها العلاقات مع أعضاء حلف الناتو، مع أوروبا، الحرب الأوكرانية، العلاقات الاقتصادية مع الصين، أسعار الطاقة، التجارة الدولية وأثر التعريفات الحمائية، أزمة المناخ العالمية، وغيرها من الملفات. أول 100 يوم من حقبة دونالد ترمب الثانية ستكون في منتهى الأهمية.