خبر في سطرين من سنوات غير بعيدة عن طبيب في الثلاثين من عمره ألقى بنفسه من أعلى ارتفاع لجسر البحرين، وتم تسليم الجثمان وسيارته الفاخرة إلى ذويه. حيث لا شبهة جنائية.

لقد بلغ منتهى السعي حين سعى، وأتم الجهد حتى بلغ غايته، ولكنه عجز عن حمل أحمال نفسه وأثقال قلبه، وظلمة روحه.! هذا الثقل الذي لا يراه أحد، ولا يبصر عمقه إلا ضحاياه، القلب الذي استوعبه الغم كالبحر لا يفتح الغرقى فيه أفواههم...!.

لا شك أنه كان يتكلم مع أهله وزملائه بحدود ما يفرض عليه من الكلام!. وكان يتحرك بين مرضاه كآلة بلا قلب، وكجسد بلا روح، ونفس لا يصعب كسرها، ولا يهتدي إلى سبيل الخلاص من ظلمتها!.

أن تعيش في الحياة وخارجها، أن تعيش الوحدة وأنت بين الناس، أن تتألم وحدك، وأن تغرق في صمت؛ لأن الملح قاتل أن فتحت فمك!

إننا أضعف مما نعتقد! وأقل قوة مما نظنه في أنفسنا، وأن سلامة ظاهرنا لا يعبر بالضرورة عن ما فينا من كسر لا يجبر، وصدع لا يجمع!. وأننا في لحظات الهم والغم الغالب على القلب، نعجز عن أنفسنا عجز الميت عن الفعل في جسده.

وإن الخروج من الغم هو نجاة من موت حقيقي، ولذا قال الله تعالى ﴿ونجيناه من الغم﴾ لأن عدم الخروج منه هلاك للنفس والجسد الذي تحملها، والنجاة هي دائمًا نقيض الهلاك! فمن غلب عليه همه فهو يحتضر ونفسه تصارع الموت ومن كان هذا حاله، فإن نفسه تشغله عن غيره، ونفسه لا تطاوعه فيما يأمر وينهي! ولذا وردت أدعية كثيرة في الضراعة إلى الله تعالى من غلبة الهم والغم، وإن الهم سالب للإرادة، وإن الغم فتنة للنفس.

وبعد هذا كله، تجدنا على مرتبة من الأنا والغرور.

بمقدار قطع علاقتنا بمن لا يرد على اتصال، ورد إليه منا، أو رسالة لم يرد عليها، أو تأخر في الاستجابة لها، أو أظهر ودا أقل مما ينبغي أن يظهره، أو لم يبد حماسة مرتفعة!.

إن للقلوب أثقال أعظم من أثقال الجسد، وللنفس أحمال تعجزها، والإنس من الطين خلق، فكان الضعف صفته التي لا تفارقه!.

التمسوا لبعضكم الأعذار، وذكروا أنفسكم إن للقلوب أثقالًا تقعد بصاحبها، وللنفس ظلمة تحيط بالقلب والنفس، وللروح وحشة يعجز الإنسان فيها من نفسه، ويتباعد عن دنياه، وأحب الخلق إليه!.

فإن ظهر لك أعرض عنك، أو تباعد بعد قرب، أو ضعف صلة بعد قوة، فقل، ربما ثقلت عليه أحمال قلبه، فترفق برحمة منك عليه، وتبرأ من الغرور وسوء الظن فيه، فكلنا في ضعف يفتقر إلى ستر.