لا يمكن تصور وجود دولة بلا دستور، فهو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم، وشكل الحكومة، ملكية أو رئاسية أم برلمانية. وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها بعضها تجاه بعض. ودستور الكويت، الذي وضعه المجلس التأسيسي بين عامي 1961–1962 ووقعه الأمير عبدالله السالم في 11 نوفمبر 1962، تم التراضي عليه، واعتبر في حينه ثورة في محيطه، وعنواناً لإنسانية الحكم فيها، ولنضج وتقدم الدولة السياسي. وفي بنود الدستور، كانت المواد الضامنة للحريات، على أن يكون تعديلها باتجاه المزيد من ضمانات الحرية والمساواة، وهي الحالة الوحيدة التي ورد فيها مثل هذا النص لأهمية الحقوق الأساسية لأي فرد سويّ، ذكراً كان أم أنثى، مع النص على جعل الدولة إمارة دستورية وراثية في ذرية الشيخ مبارك صباح جابر الصباح (1837–28 نوفمبر 1915)؛ الحاكم السابع، والمؤسس الفعلي للكويت الحديثة، الذي تولى الحكم في 1896 حتى وفاته عام 1915.

يعتقد البعض أن المواد المتعلقة بالحريات، حتى الدستور، غير ذي معنى ولا ضرورة حتى لوجود مجلس تشريعي، ولهم أعذارهم في ذلك، فقد أساء غالبية أعضاء المجالس السابقة، خاصة في العقدين الماضيين، إساءة بالغة يصعب إصلاحها، للدستور وللديموقراطية وللحريات، بحيث خلق ذلك ردة فعل لدى الكثيرين، والمطالبة بالعيش من دون دستور ولا مجلس ولا حريات، وأن نكون دولة بلا روح، لكنها تمتلك كل ماديات الدولة من توفير رغد العيش والمسكن والسيارات الفارهة والمباني الشاهقة، والطرق السريعة، والمولات العامرة، والمساكن الدافئة، ولتذهب بقية حقوق الإنسان للمزبلة، وهذا فهم خطأ لا يمكن أن ينتج عنه إلا قتل الروح في الإنسان، ومتى ما ماتت الأرواح، مات معها الإخلاص والحب والكرامة والمساواة، وحتى الولاء للوطن!

* * *

إن التجرية الديموقراطية، التي مرت عليها ستون سنة، بحاجة ماسة للمراجعة الشاملة، لتلافي كل السلبيات السابقة، لذلك جاءت قرارات الجمعة المباركة لتعديل المسيرة، وضمان حسن التطبيق السليم للديموقراطية، من خلال التشديد على أن الدستور، الذي حكم العلاقة بين كل الأطراف، جاء نتيجة اتفاق غير مكتوب، وبديهي بين ممثلي أسرة الحكم، وبين الشعب ممثلاً في النخبة التجارية، وتم من خلالها اعتماد كل البنود التي تمنع تغول سلطة على غيرها، وهذا يتطلب اهتماماً من اللجنة التي سيناط بها النظر في تعديل بعض مواد الدستور، إضافة إلى مراجعة آليات أداة الاستجواب، بحيث لا تصبح أداة إثراء وابتزاز وترهيب بيد النائب. كما يتطلب الأمر إعطاء اهتمام أكبر لأمور لم تكن معروفة يوم كتب الدستور، كالتطورات الجغرافية والسكانية، ومبادئ الحوكمة والميكنة، وفقا للنظريات السياسية العالمية الحديثة، والتركيز بقوة أكبر على التعليم، وإعطاء الشفافية والعلنية ما تستحق من أهمية، والاستفادة من التجارب المحلية وتجارب الدول الأخرى، والاستماع لآراء القانونيين والخبراء، وربما من المستحسن النظر في الأخذ بنظام المجلسين، بحيث يكون أحدهما رقيبا على الآخر ويمنع التجبر والانحراف.

لكن، وقبل الإقدام على كل أو بعض هذه الأمور، يتطلب الأمر تنظيف سجل الجنسية من كل الشوائب الخطيرة التي علقت به، فقد شاركت أعداد كبيرة في اختيار «ممثلي الأمة»، وتبين لاحقا، أنه لا هم ولا من اختاروا، امتلكوا حق الاختيار، أو التمثيل النيابي.

كما من الضروري إعادة جنسيات كثيرة لسابق درجاتها، وخاصة تلك التي سهلت «الواسطة والفساد» في تغيير مادتها، بطريقة غير مشروعة. فكيف نغضب ونثور إن ادعى مواطن ما، مهما بلغ نفوذه أو ثراؤه، بأنه من مؤسسي جمعية نفع عام، كالخريجين مثلا، وهو أصلاً ولد بعد تأسيسها، ولا نحتج أو نكترث لإدعاء أعداد من المواطنين، من خلال مستندات الجنسية، بأنهم من مؤسسي الدولة، بالرغم من أن مستندات جنسية أكثر قدماً ودقة، ولنفس الأشخاص، تثبت عكس ذلك تماماً؟ كما أنهم أصلاً ليسوا من مواليد الدولة، ولم يتواجدوا، لا هم ولا آباؤهم، فيها عام 1920، وما قبل ذلك؟

أحمد الصراف