ما أن برز اسم مسعد بولس، والد صهر ترمب اللبناني الذي سانده في حملته الانتخابية، بعد أن أمّن له أصوات عرب «ميشيغين» المتأرجحة، حتى قامت ثائرة إسرائيل، وبدأت التحريض عليه وبثّ سمومها.

ساءهم أن يبقى صهرهم جاريد كوشنر في الظل هذه المرة، لرداءة شعبيته، ويتصدّر مسعد بولس الشاشات، متحدثاً عن رغبة الرئيس المقبل في السلام، وأنه سيفي بوعده «بإنهاء الدمار في لبنان» من خلال «اتفاقية سلام إقليمية شاملة». راحوا ينبشون في سجله كعادتهم في تشويه صورة من لا يلائمهم. وبما أن الرجل لا شائبة عليه، فقد ذهبت وسائل إعلامهم تخترع له معايب، تخفف من تأثيره، أو تجعل من وجوده إلى جانب ترمب ندبة يتوجب التخلص منها.

أزعجهم أن يكون الرجل وسيطاً بين ترمب ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، حين اكتشفوا أنه قابله في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأن اللقاء كان ودياً وممهداً جيداً لبدء العمل مع ترمب حين يتولى مهماته، من أجل التوصل إلى حل الدولتين، كما حمّله عباس رسالة إلى ترمب. وكأنما مجرد الإشارة العابرة إلى السلام هو سبّة لإسرائيل وتهديد لأمنها.

إسرائيل لا تريد أن تسمع بكلمة «حلّ»، تودّ مفردة واحدة، هي «الضمّ» فقط. لذلك رصدت وسائل إعلام إسرائيلية التحركات العربية، والوقت الذي يمضيه مسعد مع ترمب، ومدى تأثيره عليه. ما تاريخه؟ وما علاقاته؟ ولما لم يجدوا حول الرجل ما يشين، بدأوا يلمحون إلى صداقته مع الوزير السابق سليمان فرنجية. ورغم أن الرجل قال لـ«نيوزويك» إنه ليس لديه ما يخفيه، ولبنان بلد صغير، والناس يعرف بعضها بعضاً، ويتحدث بعضها مع بعض، فإن هذا لم يبرّد قلب إسرائيل، وبقيت الصحف تنقل أن مسعد قد يكون له تأثير على ترمب.

كل محيط ترمب يبدو مغروماً بإسرائيل ومتجنداً من أجلها، غير أنهم يشعرون بـ«القلق». مستنفرون لأنهم سمعوا أن «الرئيس المنتخب لن ينسى أولئك الذين ساعدوه على الفوز». لعل مسعد من بينهم! ومحبطون لأنه حين سُئل عن حفيده الجديد نصف اللبناني، قال: «أنا أحب ذلك». حائرون لأنه «سيصبح لرئيس الولايات المتحدة أصهار وأحفاد يهود وعرب». وكان يفضّل ألا يكون الأمر كذلك، لأنه يجعل مشهد عام 2017 عندما فاز بولايته الأولى، وأطلق الترحيل الجماعي للمقيمين الأميركيين من دول إسلامية، من الصعب أن يتكرر.

كل تعيينات الصقور الأمينين للفكر الترمبي السابق، يعلنون عن حبهم الذي لا يتزحزح لإسرائيل، وتشددهم تجاه إيران والصين، لكن إسرائيل «قلقة».

لديك بين المعينين في الإدارة الجديدة، مايك هاكابي، سفيراً في إسرائيل، رأيه أنه «لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، ولا يوجد شيء اسمه مستوطنات، بل أحياء ومدن، ولا يوجد شيء اسمه احتلال. بل لا يوجد شيء اسمه فلسطين». صحيح أن ترمب له من السطوة ما يجعله يأخذ قراره في النهاية، لكن التعيينات تشير بوضوح إلى ملامح مرحلة، كل ما فيها لا يشي باعتدال. ترمب نفسه وصف سفيره بـ«عاشق إسرائيل وشعب إسرائيل، وشعب إسرائيل يبادله العشق».

أسوأ منه الفظة، السفيرة إلى الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك، عيّنت في المنصب، مع أنها اتهمت المنظمة بأنها مصابة بـ«العفن المعادي للسامية». زارت الكنيست تضامناً مع إسرائيل قبل أشهر، وطالبت بمساندة غير مشروطة للجيش الإسرائيلي «بكل ما يحتاجه، متى احتاجه، من دون أي شروط تعوق إنجاز النصر الكامل في وجه الشرّ». وكانت من بين الأكثر حماسة لمعاقبة مديري الجامعات، التي انتفض طلابها تأييداً لفلسطين. أما مساعد مدير مكتب ترمب المقبل، فهو أحد واضعي مرسوم «منع دخول مواطني الدول ذات الغالبية المسلمة إلى الولايات المتحدة» المثير للجدل.

وفي وزارة الخارجية، ماركو روبيو، قد يجعلنا نترحم على أنتوني بلينكن. رفض بشدة وقف إطلاق النار في غزة، حمّل مسؤولية موت المدنيين لحركة حماس «لأنها تقيم منشآتها فوق المستشفيات» واصفاً إياهم بـ«الحيوانات الشريرة الذين يتوجب تدميرهم».

المشهد قاتم في إدارة ترمب، ويميل صوب إسرائيل بشكل جارف.

لا ندري ما الذي يمكن لصهرنا اللبناني، ووالده مسعد بكل حسن نيته، ورغبته في السلام، أن يفعل وسط أجواء مشحونة بالتشنج، وفائض الإحساس بالقوة والهيمنة. وغير مفهوم كيف يمكن لترمب الذي يبشر بمرحلة خالية من الحروب، أن يأتي بأعتى الصقور.

من يعرفون مسعد، يتحدثون عن رجل مجتهد وطيب. وهو ليس أميركياً منقطع الجذور عن وطنه، بل منغرس في بلدته، متعلق بها. لا تنقص مسعد الحنكة السياسية، والدبلوماسية، فقد خاض تجارب انتخابية عدة مع والده فارس الذي بقي طوال عمره طامحاً للنيابة، ولعائلته جذور سياسية عميقة. ولا بد أن مسعد أفاد من خلفياته العائلية في أميركا. لكن ما تُراه يفعل وسط قساة القلوب وجبابرة السلطة؟!