خالد بن حمد المالك

مع أن تولي السلطة الفلسطينية لإدارة الضفة الغربية هي إدارة شكلية، إذ لا تزال إسرائيل تتصرف فيها كما تريد، تقتل وتأسر وتهدم، ويمرح جيشها ليل نهار دون أن يكون للسلطة حيلة أو قدرة لمنعه من استباحة الضفة وإذلال مواطنيها، إلا أن قرار العدو بضم الضفة إلى بقية الأراضي الفلسطينية التي يستعمرها يؤكد أن قراراً كهذا ما كان لتقدم عليه إسرائيل لولا موافقة إدارة الرئيس بايدن عليه.

* *

وإذا كان العدو قد قرر أن يكون بدء تنفيذ القرار متزامناً مع استلام الرئيس ترامب لسلطاته رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، فإن ترامب هو من اعترف في ولايته الأولى بأن القدس موحدة وعاصمة لإسرائيل، ونقل إليها السفارة الأمريكية، وزاد على ذلك بأن إسرائيل دولة يهودية، وثم فلن يمانع أو يعترض - كما نتوقع - على قرار إسرائيل باحتلال الضفة الغربية في مخالفة صريحة لكل قرارات الشرعية الدولية، والاتفاقيات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

* *

هذا القرار الإسرائيلي لا يُسقط مطالبة الفلسطينيين باسترداد أراضيهم، ولا يحول دون استمرار الكفاح الفلسطيني المشروع حتى رحيل المستعمر الغاصب، حتى وإن عاضدت أمريكا وأوروبا الاستعمار الإسرائيلي على كل أراضي فلسطين، إذ لا يمكن أن يسقط حق يقف وراءه شعب صامد، بإرادة لا تقهر، وتضحيات كبيرة، وإصرار لا يلين، وعمل مسؤول من قوى دولية عادلة ومنصفة، وحامية لحقوق الشعوب المغلوب على أمرها.

* *

إن غياب مجلس الأمن، واستبعاد البند السابع في تطبيقه على إسرائيل في احتلال استعماري كهذا، يُظهر أن هذا المجلس أبعد ما يكون عن خدمة السلام والعدل في العالم، بدليل استثناء إسرائيل من العقوبات، ومن إلزامها بتطبيق القوانين الدولية، وحمايتها من قرارات المحكمة الجنائية فيما يتعلق بحرب الإبادة التي قامت بها في عدوانها على قطاع غزة وغيرها.

* *

غير أن ما يجب أن نتحدث عنه في ظل هذه الظروف المعقدة التي تشهد حروباً لإسرائيل في أكثر من جبهة، مدعومة من الولايات المتحدة ودول أوروبية، أننا أمام رئيس أمريكي جديد، وحكومة أمريكية غير تلك التي قادت المنطقة إلى ما آلت إليه، وما نؤمله من الحكومة الأمريكية الجديدة ألا تكون نسخة من الحكومة المنتهية ولايتها، ولا امتداداً لرئيس ظهر رفض الشعب الأمريكي تجديد ولايته حتى من أعضاء حزبه، وإنما مع رئيس نتطلع منه أن يصحح أخطاء الماضي، ويزرع الحب لا الكراهية لأمريكا الدولة العظمى في العالم.

* *

لقد صوت العرب والمسلمون ورشحوا الرئيس ترامب، وسط وعود بأنه سيعطي اهتماماً لقضاياهم ومطالبهم في الشرق الأوسط، وهو قادر على ذلك بالضغط على إسرائيل، وإلزامها بقرارات الشرعية الدولية، بداية من منعها من ضم الضفة الغربية، وإيقاف القتال، وعودة إدارة قطاع غزة للفلسطينيين، ونهاية في تحقيق وتنفيذ خيار الدولتين.

* *

إنها فرصة للرئيس ترامب ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه، في مرحلة جُدد له كثاني رئيس يتولى السلطة في فترتين غير متصلتين، وبأرقام ونسب ساحقة من الأصوات، ومع حصول حزبه على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، ما يجعل يده مطلقة لأخذ القرارات بشكل مريح ومرن، وعليه أن يتصرف بما يرضي ضميره، لا عواطفه، ويحقق العدل، لا الظلم، ويثبت أن أمريكا داعمة للسلام، لا للنزاعات والحروب.