قصص كثيرة مختلقة تملأ «السوشيال ميديا»، يتم ترديدها من موقع إلى آخر، وتحصل على كثافة المشاهدة مخترقة المنطق.
في العادة، الحكاية المحبوكة والطريفة تحاط بضوء أخضر، يمنحها حق الذيوع والانتشار.
ستجد على «النت» تلك القصة الوهمية ذائعة الصيت: سأل أحد الصحافيين الكاتب الكبير عباس محمود العقاد عن المونولوغيست الشهير محمود شكوكو؟ أجابه: «من شكوكو هذا؟» ووصلت الحكاية لشكوكو، فقال للصحافي نفسه: «قل للعقاد ينزل الشارع معي، ليكتشف الناس حتعرف مين فينا»، فرد العقاد: «قل لشكوكو ينزل على الرصيف بالزعبوط والعصا والجلباب البلدي -وكانت تلك هي الملابس التقليدية له على المسرح- وعلى الرصيف خلِّي راقصة درجة ثالثة تقدم نمرة، سيترك الناس شكوكو ويتجمعون حولها».
هذا التشابك بكل مفرداته يتناقض تماماً مع التركيبة النفسية والذهنية للعقاد وأيضاً لشكوكو.
هذه المرة اختاروا نجيب محفوظ، والطرف الآخر الراقصة فيفي عبده، لتصبح بمثابة تنويعة أخرى على «العقاد وشكوكو».
القصة الوهمية هي أن نجيب محفوظ كان في طريقه لقضاء سهرة، وعندما همَّ بركوب سيارته المتواضعة، كانت فيفي عبده تهم بركوب سيارتها الفاخرة، وقالت له: «شوف الأدب ركِّبك إيه!»، فرد عليها نجيب محفوظ: «شوفي... ركِّبتك إيه!».
حوار يخاصم المنطق، ولم يشاهد –أصلاً- نجيب فيفي عبده في أي موقف. سهرته الأدبية معروف توقيتها وشهودها، وليس قطعاً من بينهم فيفي عبده، إلا أن هناك بصيصاً من الحقيقة تم التلاعب به، كنت أنا طرفاً فيه.
في عام 1991، عُرض فيلم «نور العيون» المأخوذ عن قصة قصيرة في مجموعة «خمارة القط الأسود»، إخراج حسين كمال. الفيلم بطولة فيفي عبده وعادل أدهم، والفيلم يتناقض تماماً مع العمق الفكري لقصة نجيب محفوظ.
أخبرني صديق نجيب محفوظ، المخرج توفيق صالح -وكان هو أصغر مجموعة «الحرافيش» سناً- أن الأستاذ نجيب غاضب جداً بعد أن شاهد الفيلم على شريط فيديو بعد عرضه ببضعة أشهر، وكان معه توفيق صالح يتولى شرح أي مشهد أو حوار لم يستوعبه الأستاذ، بسبب ضعف حاستَي السمع والرؤية لدى كاتبنا الكبير، وطلبت منه أن يستأذن أديبنا الكبير في أن أوثِّق هذا الموقف، على صفحات مجلة «روزاليوسف»، وبعد أقل من ساعة قال لي إنه حصل على موعد مع الأستاذ في كازينو «قصر النيل».
ذهبتُ مسرعاً في الموعد المحدد. لنجيب محفوظ مقولة شهيرة: «لا تحاسبني على الفيلم، حاسب المخرج، بينما أنا مسؤول فقط عن القصة المنشورة».
سألته: لماذا أصر على انتقاد الفيلم، ولأول مرة يخرج فيها عن تحفظه المعتاد في مواقف مشابهة؟
أجابني: «الشاشة لا يوجد فيها أي شيء له علاقة بالقصة. الكل في الفيلم كان يحاول إرضاء فيفي عبده، وهذا الفيلم أعلن فيه شريك فيفي في البطولة، عادل أدهم، اعتراضه، كما أن كاتب السيناريو وحيد حامد قال لي إنه غير راضٍ».
أما نجيب محفوظ فلقد قال بخفة ظل ضاحكاً: «المشكلة مش إن الفيلم رديء. أنا خايف الناس يا طارق يقولوا لي إيه اللي لمَّك يا نجيب يا محفوظ على فيفي عبده؟ وأنا عمري ما شفتها!».
أعتقد أن تلك هي المرة الوحيدة التي تم فيها الربط بين اسمَي نجيب محفوظ وفيفي عبده، إلا أن «السوشيال ميديا» أضافت من عندها لقاء لم يحدث، يحمل تراشقاً مستحيلاً بالألفاظ بين الأديب العالمي والراقصة الشهيرة!
التعليقات