استوقفني هذا الأسبوع، تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية صارمة بنسبة 100 % على مجموعة بريكس، إذا حاولت استبدال الدولار بعملة جديدة، وواصل تهديده قائلاً: "ينبغي لأي دولة تفعل ذلك أن تقول وداعاً لبيعها في الاقتصاد الأميركي الرائع.. يمكنهم أن يبحثوا عن مغفل آخر.. لا توجد فرصة لأن تحل مجموعة بريكس محل الدولار في التجارة الدولية، وأي دولة تحاول ذلك يجب أن تلوح وداعاً لأميركا"، هنا يبدو السؤال: لماذا يهدد ترمب؟ وهل تشكل عملة بريكس المقترحة تهديداً فعلياً للدولار؟..الحقيقة، أن سيادة الدولار في التجارة الدولية تمنح الولايات المتحدة مزايا تجارية يستحيل أن تتخلى عنها، من بينها انخفاض تكاليف الاقتراض للحكومة الفيدرالية، والنفوذ الجيوسياسي الهائل في كافة أرجاء المعمورة.

بدون شك، فإن إنشاء عملة منافسة سيكون صعباً نظراً لهيمنة الدولار في إدارة منظومة الأعمال التجارية حول العالم، وعلى الرغم من وجود اليورو الأوروبي، واليوان الصيني، إلا أن الدولار يظل العملة الاحتياطية الأولى في العالم، مع نحو 58% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، كما أن السلع الأساسية الحيوية مثل النفط والذهب تشترى وتباع بالدولار، وباعتقادي، فإن قدرة دول بريكس على إيجاد بديل للدولار ليست فكرة معقولة في الأمد القريب أو المتوسط، ولهذا، يتعين على "بريكس" أن تكافح بقوة من أجل إنشاء عملة قابلة للاستمرار في ضوء القوة النسبية والاستقرار الذي يتمتع به الاقتصاد الأميركي، والثقة التي يضعها المستثمرون العالميون وشركاء التجارة في ديون الحكومة الأميركية.

رغم المصالح المشتركة التي تربط بين أعضاء المجموعة، إلا أن التوحد وراء عملة بديلة يعتبر أمراً محفوفاً بالمخاطر السياسية، ومعقداً من الناحية الفنية، والقاعدة: أنه إذا كنت تنوي إنشاء نموذج خاص بك من النقود، فإن الأمر لابد أن يتناسب مع قوتك الاقتصادية ونزاهة الجهة المصدرة، والواقع يؤكد، أن "بريكس" لا تمتلك هذا النوع من المؤسسات المرموقة التي تلهم الثقة العالمية والقادرة على إقناع الشعوب بأنها بديل حقيقي للدولار، ومن اللافت، أن حكومة جنوب إفريقيا، قللت من أهمية إطلاق عملة جديدة عقب تهديدات ترمب، فقد أصدرت بياناً تؤكد فيه أن "التقارير الخاطئة أدت إلى رواية خاطئة مفادها أن مجموعة بريكس تخطط لإنشاء عملة جديدة. وهذا ليس صحيحا. حيث تركز المناقشات داخل المجموعة على التجارة بين الدول الأعضاء باستخدام عملاتها الوطنية".

لوأخذنا كلام ترمب على محمل الجد، هنا يثور تساؤل حول حجم الضرر الذي سيصيب التجارة العالمية، وماذا تعني إضافة رسوم صارمة على سلع دول بريكس القادمة إلى الولايات المتحدة، وإذا حدث ذلك، هل يمكن أن نتوقع ردوداً انتقامية مماثلة ضد المنتجات الأميركية القادمة إلى موانئ المجموعة؟.. الواقع، أن أميركا تستورد بعض المنتجات الرئيسية من دول المجموعة مثل القهوة البرازيلية، والإلكترونيات والملابس من الصين، والمعادن من جنوب أفريقيا، وإذا تم فرض تعريفات جمركية بنسبة 100 % على هذه السلع المستوردة فلن يكون هذا الأمر في صالح المستهلكين، قولاً واحداً، لأن رفع التكلفة على المستوردين، سيتم تمريرها إلى الحلقة الأضعف، وهم المستهلكين، وهذا هو دائماً تأثير التعريفات الجمركية، وقد يؤدي الأمر بالنهاية إلى إثارة موجة تضخمية جديدة تقصم ظهور المستهلكين.